فكيف قال تعالى هنا: ﴿يعذبهم الله بأيديكم﴾؟ أجيب: بأن المراد بالعذاب في الآية الأولى عذاب الاستئصال، وبهذه الآية القتل والأسر. والفرق: أنّ عذاب الاستئصال قد يتعدّى إلى غير المذنب، وإنه في حقه لمزيد الثواب وعذاب القتل مقصور على المذنب وهذا كالتصريح بأنّ هذا الفعل وما عطف عليه فعله تعالى وإن كان جارياً على أيدي العباد كسباً لا يرد على ذلك أنه لا يقال يعذب الله المؤمنين بأيدي الكافرين؛ لأنّ ذلك إنما امتنع لشناعة العبارة كما لا يقال: يا خالق القاذورات والأبوال والعذرات وإن كان هو الخالق لها. ﴿ويخزهم﴾ أي: بالذل والفضيحة في الدنيا والعذاب في الآخرة ﴿وينصركم عليهم﴾ أي: يمكنكم من قتلهم وإذلالهم ﴿ويشف صدور قوم مؤمنين﴾ أي: طائفة من المؤمنين وهم خزاعة. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هم بطون من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديداً فبعثوا إلى رسول الله ﷺ يشكون إليه فقال: أبشروا فإن الفرج قريب.
﴿ويذهب غيظ قلوبهم﴾ أي: كربها ووجدها، وقد وفى الله تعالى بما وعد، والآية من المعجزات. وقوله تعالى: ﴿ويتوب الله على من يشاء﴾ استئناف أي: إنّ الله تعالى يهدي من يشاء إلى الإسلام كما فعل بأبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو، فهؤلاء كانوا من أئمة الكفر ورؤساء المشركين ثم مَنَّ الله تعالى عليهم بالإسلام يوم فتح مكة فأسلموا وحسن إسلامهم. ﴿وا عليم﴾ أي: يعلم ما سيكون كما يعلم ما قد كان فهو عليم بكل شيء، فيعلم من يصلح للتوبة ومن لا يصلح لها، أو يعلم ما في قلوبكم من الإقدام والإحجام ﴿حكيم﴾ أي: أحكم جميع أموره.
(١٦/١٠٧)


الصفحة التالية
Icon