(١٦/١٠٩)
مكان الإيمان.
واحتج أصحابنا بهذه الآية على أنّ مرتكب الكبيرة من أهل الإيمان لا يبقى مخلداً في النار من وجهين: الأوّل قوله تعالى: ﴿وفي النار هم خالدون﴾ يفيد الحصر أي: هم فيها خالدون لا غيرهم، ولما كان هذا وارداً في حق الكفار ثبت أن الخلود لا يحصل إلا للكافر. الثاني: أنه تعالى جعل الخلود في النار جزاء للكفار عن كفرهم، فلو كان هذا الحكم جزاء لغير الكافر لما صح تهديد الكافر به. وفي الكشاف: أن الكبيرة تهدم الأعمال وهو جار على مذهبه الفاسد، ولما بيّن تعالى أن الكافر ليس له أن يعمر مساجد الله بين المستحق لعمارتها بقوله تعالى:
﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن با واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش﴾ أحداً ﴿إلا الله﴾ أي: إنما تتم عمارتها لهؤلاء الجامعين بين الكمالات العملية والعلمية.
فإن قيل: لِمَ لَمْ يذكر الإيمان برسوله ﷺ مع أنّ الإيمان به شرط في صحة الإيمان؟ أجيب: بأنه تعالى لما ذكر الصلاة والصلاة لا تتم إلا بالتشهد وهو مشتمل على ذكره كان ذلك كافياً، ومما علم من أن الإيمان بالله تعالى قرينه وتمامه الإيمان به فكان الإيمان بالرسول ﷺ مذكوراً بطريق أبلغ وهو طريق الكناية لما مرّ من مقارنتهما وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر. وقيل: إن المشركين كانوا يقولون: إنّ محمداً إنما ادّعى رسالة الله طلباً للرّياسة والملك، فلذلك ترك ذكر النبوّة فكأنه يقول مطلوبي من تبليغ الرسالة ليس إلا الإيمان بالمبدأ والمعاد، فذكر المقصود الأصلي وحذف ذكر النبوّة تنبيهاً للكفار على أنه لا مطلوب له من الرياسة.
(١٦/١١٠)


الصفحة التالية
Icon