﴿الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله﴾ أي: أعلى مرتبة وأكثر كرامة ممن لم يستجمع هذه الصفات والمراد من كون العبد عند الله بالاستغراق في عبوديته وطاعته، وليس المراد منه قطع العندية بحسب الجهة والمكان؛ لأنّ الأرواح البشرية إذا تطهرت من دنس الأوصاف البدنية أشرقت بأنوار الجلال وتجلى فيها أضواء عالم الكمال، وسرت من العبودية إلى العندية. وقيل: أعظم درجة عند الله ممن افتخر بالسقاية وعمارة المسجد الحرام.
فإن قيل: على هذا كيف قال في وصفهم أعظم درجة مع أنه ليس للكافر درجة؟ أجيب: بأنّ هذا ورد على حسب ما كانوا يقدّرون؛ لأنفسهم من الدرجة والفضيلة عند الله. ونظيره قوله تعالى: ﴿الله خير أم ما يشركون﴾ (النحل، ٥٩)
وقوله تعالى: ﴿أذلك خير نزلاً أم شجرة الزقوم﴾ (الصافات، ٦٢)
﴿وأولئك﴾ من هذه صفتهم ﴿هم الفائزون﴾ أي: بسعادة الدنيا والآخرة.
(١٦/١١٥)
﴿يبشرهم﴾ أي: يخبرهم ﴿ربهم﴾ والبشارة الخبر السار الذي يفرح الإنسان عند سماعه وتستبشر بشرة وجهه عند سماع ذلك الخبر السار، ثم ذكر سبحانه وتعالى الذي يبشرهم به بقوله تعالى: ﴿برحمة منه ورضوان﴾، فهذا أعظم البشارات؛ لأنّ الرحمة والرضوان من الله تعالى سبحانه وتعالى على العبد نهاية مقصودة ﴿وجنات﴾ أي: بساتين كثيرة الأشجار والثمار ﴿لهم فيها﴾ أي: الجنات ﴿نعيم﴾ أي: جزاء خالص عن كدر مّا ﴿مقيم﴾ أي: غير منقطع. وقوله تعالى:
(١٦/١١٦)
﴿خالدين فيها﴾ حال مقدرة وحقق الخلود بقوله تعالى: ﴿أبداً﴾، ولما ذكر تعالى هذه الأحوال، قال: ﴿إنّ الله عنده أجر عظيم﴾ وناهيك بما يصفه الله بالعظم وخص هؤلاء المؤمنين بهذا الثواب المعبر عن دوامه بهذه العبارات الثلاث المقرونة بالعظم والاسم الأعظم، فكان أعظم الثواب؛ لأنّ إيمانهم أعظم الإيمان.
وذكر المفسرون في سبب نزول قوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon