فإن قيل: اليهود والنصارى يزعمون أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر فكيف أخبر الله تعالى عنهم بذلك؟ أجيب: بأنّ من اعتقد أن العزير ابن الله وأنّ المسيح ابن الله فليس بمؤمن بل هو مشرك وبأنّ من كذب رسولاً من الرسل فليس بمؤمن واليهود والنصارى يكذبون أكثر الأنبياء ﴿ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله﴾ من الشرك وأكل أموال الناس بالباطل وتبديل التوراة والإنجيل وغير ذلك ﴿ولا يدينون دين الحق﴾ أي: الثابت الذي هو ناسخ لسائر الأديان وهو الإسلام كما قال تعالى: ﴿إنّ الدين عند الله الإسلام﴾ (آل عمران، ١٩)
﴿من الذين أوتوا الكتاب﴾ أي: اليهود والنصارى بيان للذين لا يؤمنون ﴿حتى يعطوا الجزية﴾ وهي الخراج المضروب على رقابهم في نظير سكناهم في بلاد الإسلام آمنين مأخوذ من المجازاة لكفنا عنهم.
وقيل من الجزاء بمعنى القضاء قال الله تعالى: ﴿واتقوا يوماً لا تجزى نفس عن نفس شيئاً﴾ (البقرة، ٤٨)
أي: لا تقضي وقوله تعالى: ﴿عن يد﴾ حال من الضمير أي: منقادين مقهورين يقال لكل من أعطي شيئاً كرهاً من غير طيب نفس أعطي عن يد، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يعطونها بأيديهم ولا يرسلون بها على يد غيرهم وهل يجوز أن يوكلوا مسلماً في دفعها أو لا ينبغي على تفسير الصغار المذكور في قوله تعالى: ﴿وهم صاغرون﴾ أي: أذلاء منقادون لحكم الإسلام ويكفي في الصغار أن يجري عليهم الحكم بما لا يعتقدون حله أن يجوز التوكيل على هذا تفسيره ـ أن يجلس الآخذ ويقوم الكافر ويطأطىء رأسه ويحني ظهره ويضع الجزية في الميزان ويقبض الآخذ لحيته ويضرب لهزمتيه وهما مجتمع اللحم بين الماضغ والأذن من الجانبين : مردود بأن هذه الهيئة باطلة ودعوى سنيتها أو وجوبها أشدّ بطلاناً ولم ينقل أنّ النبيّ ﷺ ولا أحداً من الخلفاء الراشدين فعل شيئاً من ذلك وعلى تفسيرها بما ذكر يمتنع التوكيل إذا قيل بوجوبه لا باستحبابه.
(١٦/١٢٦)


الصفحة التالية
Icon