فإن قيل: إنه تعالى كفرهم بسبب أن أطاعوا الأحبار والرهبان فالقاسق يطيع الشيطان فوجب الحكم بكفره على ما هو قول الخوارج. أجيب: بأنّ الفاسق وإن كان يقبل دعوى الشيطان إلا أنه لا يعظمه بل يلعنه ويستخف به وأمّا هؤلاء فكانوا يقبلون قول الأحبار والرهبان ويعظمونهم وقد يبالغ بعض الجهال في تعظيم شيخه بحيث يميل طبعه إلى القول بالحلول والاتحاد وذلك الشيخ إذا كان طالباً للدنيا بعيداً عن الآخر بعيداً عن الدين قد يلقي إليهم أنّ الأمر كما يقولون ويعتقدون، وعن الفضيل رضي الله تعالى عنه ما أبالي أطعت مخلوفاً في معصية الخالق أو صليت لغير القبلة ﴿والمسيح بن مريم﴾ أي: اتخذوه كذلك لكونهم جعلوه ابناً فأهلوه للعبادة بذلك مع كونه ابن مريم فهو لا يصلح للإلهية بوجه لمشاركته للآدميين في الحمل والولادة والأكل والشرب وغير ذلك من أحوال البشر الموجبة للحاجة المنافية للإلهية ﴿وما أمروا﴾ أي: في التوراة والإنجيل ﴿إلا ليعبدوا﴾ أي: ليطيعوا على وجه التعبد ﴿إلهاً واحداً﴾ أي: لا يقبل القسمة بوجه لا بالذات ولا بالمماثلة وهو الله تعالى وأما طاعة الرسول ﷺ وطاعة من أمر الله بطاعته فهي في الحقيقة طاعة الله تعالى وقوله تعالى: ﴿لا إله إلا هو﴾ صفة ثانية أو استئناف مقرّر للتوحيد ﴿سبحانه عما يشركون﴾ أي: تعالى وتنزه عن أن يكون له شريك في العبادة والأحكام وأن يكون له شريك في الإلهية يستحق التعظيم والإجلال.
(١٦/١٣٤)


الصفحة التالية
Icon