﴿وإذا أذقنا الناس﴾ أي: كفار مكة ﴿رحمة﴾ أي: صحة وسعة ﴿من بعد ضرّاء﴾ أي: شدّة وبلاء ﴿مستهم﴾ سلط الله تعالى القحط سبع سنين على أهل مكة حتى كادوا يهلكون ثم رحمهم، فأنزل عليهم المطر الكثير حتى أخصبت البلاد، وعاش الناس بعد ذلك فلم يتعظوا بذلك، بل رجعوا إلى العناد والكفر كما قال تعالى: ﴿إذا لهم مكر في آياتنا﴾ بالاستهزاء والتكذيب، وقيل: لا يقولون هذا من رزق الله، إنما يقولون: سُقينا بنوء كذا. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ النبيّ ﷺ قال: «إنّ الله تعالى ليصبح القوم بالنعمة ويمسيهم بها فيصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون: مطرنا بنوء كذا» والنوء عند العرب: هي منازل القمر إذا طلع نجم سقط نظيره ﴿قل الله﴾ أي: قل لهم يا محمد الله ﴿أسرع مكراً﴾ منكم، أي: أعجل عقوبة وأشدّ أخذاً وأقدر على الجزاء. ومعنى الوصف بالأسرعية: أنه قضى بعقابهم قبل تدبيرهم مكايدهم والمكر إخفاء الكيد وهو من الله تعالى، أمّا الاستدراج أو الجزاء على المكر، فإنهم لما قابلوا نعمة الله بالمكر قابل مكرهم بأشد منه، وهو إمهالهم إلى يوم القيامة. ﴿إن رسلنا﴾ أي: الحفظة الكرام الكاتبين ﴿يكتبون ما تمكرون﴾ لأنهم وكلوا بكم قبل كونكم نطفاً، ولم يوكلوا بكم إلا بعد علم موكلهم بكل ما تفعلونه، ولا يكتبون مكركم إلا بعد اطلاعهم عليه، وأمّا هو سبحانه وتعالى فإنه إذا قضى قضاء لا يمكن أن يطلع عليه رسله إلا بإطلاعه فكيف بغيرهم، وإذا تبين أنه عالم بأمورهم وهم جاهلون بأموره علم أنه لا يدعهم يدبرون كيداً إلا وقد سبب له ما يجعله في نحورهم، وقرأ أبو عمرو بسكون السين والباقون بالرفع، ثم أخذ سبحانه وتعالى يبين ما يتضح به أسرعية مكره في مثال دال على ما في الآية قبلها؛ لأن المعنى الكلي لا يصل إلى أفهام السامعين إلا بذكر مثال جلي واضح، يكشف عن حقيقة ذلك المعنى الكلي فقال:
(٣/٢٦)


الصفحة التالية
Icon