(٣/٢٧)
يدعون حينئذٍ غيره؛ لأنَّ الإنسان في هذه الحالة لا يطمع إلا في فضل الله ورحمته ويصير منقطعاً عن جميع الخلق، ويصير بقلبه وروحه وجميع أجزائه متضرعاً إلى الله تعالى. وقوله تعالى: ﴿لئن أنجيتنا من هذه﴾ الشدائد التي نحن فيها وهي الريح العاصفة والأمواج الشديدة ﴿لنكونن من الشاكرين﴾ على إرادة القول أو مفعول دعوا؛ لأنه من جملة القول، أي: لنكونن من الشاكرين لك بالإيمان والطاعة على إنعامك علينا بانجائنا مما نحن فيه من هذه الشدّة.
﴿فلما أنجاهم﴾ أي: هؤلاء الذين ظنوا أنهم أحيط بهم من الشدّة التي كانوا فيها إجابة لدعائهم ﴿إذا هم يبغون﴾ أي: فأجاؤوا الفساد وسارعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والمعاصي ﴿في الأرض﴾ أي: جنسها ﴿بغير الحق﴾.
فإن قيل: البغي لا يكون بحق فما معنى قوله بغير؟ أجيب: بأنه قد يكون بحقًّ كاستيلاء المسلمين على أرض الكفرة وهدم دورهم، وإحراق زروعهم، وقطع أشجارهم، كما فعل ﷺ ببني قريظة، فإنّ ذلك إفساد بحق. قال صاحب «المفردات»: البغي على ضربين: أحدهما: غير محمود وهو مجاوزة الحق إلى الباطل وإلى الشبهة، والآخر: كفعل المسلمين ما ذكر ﴿يا أيها الناس إنما بغيكم﴾ أي: ظلمكم ﴿على أنفسكم﴾ يعود وباله عليها خاصة. قال ﷺ «أسرع الخير ثواباً صلة الرحم، وأعجل الشر عقاباً البغي واليمين الفاجرة». وروي «ثنتان يعجلهما الله تعالى في الدنيا: البغي، وعقوق الوالدين». وعن ابن عباس: لو بغى جبل على جبل لدك الباغي. وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه:

*يا صاحب البغي إنّ البغي مصرعة فاربع فخير فعال المرء أعدله
*فلو بغى جبل يوماً على جبل لاندك منه أعاليه وأسفله
(٣/٢٨)


الصفحة التالية
Icon