الثاني: أنه تعالى بيّن أنه كما لم يحصل لذلك الزرع عاقبة محمودة فكذلك المغتر بالدنيا المحب لها لا يحصل له عاقبة تحمد، مع أنَّ المنافع التي تحصل فيها مخلوطة بالمضار والمتاعب، فإنَّ سعادة الدنيا غير خالصة من الآفات، بل هي ممزوجة بالبليات، والاستقراء يدل عليه، ولذلك قال ﷺ «من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه ولم يرزق. فقيل: يا رسول الله، وما هو؟ قال: سرور يوم بتمامه». الثالث: أن مالك ذلك البستان لما عمره بإتعاب النفس، وكد الروح، وعلق قلبه على الانتفاع به، فإذا حصل ذلك السبب المهلك صار العناء الشديد الذي تحمّله في الماضي سبباً لحصول الشقاء الشديد له في المستقبل، وهو ما يحصل له في قلبه من الحسرات، فكذا حال من وضع قلبه على الدنيا، وأتعب نفسه في تحصيلها، فإذا مات وفاته كل ما فات صار العناء الذي تحمله في تحصيل أسباب الدنيا سبباً لحصول الشقاء العظيم له في الآخرة. ﴿كذلك﴾ أي: مثل هذا التفصيل الذي ذكرناه ﴿نفصل الآيات﴾ أي: نبينها ﴿لقوم يتفكرون﴾ لأنهم المنتفعون بها، ولما نفّر تعالى الغافلين عن الميل إلى الدنيا بالمثل السابق رغبّهم في الآخرة بقوله تعالى:
﴿والله يدعو﴾ أي: يعلق دعاءه على سبيل التجدّد والاستمرار بالمدعوين ﴿إلى دار السلام﴾. قال قتادة: السلام هو الله، وداره الجنة، وسمي سبحانه وتعالى بالسلام؛ لأنه واجب الوجود لذاته، فقد سلم من الفناء والتغير، وسلم من احتياجه في ذاته وصفاته، ومن الافتقار إلى الغير، وهذه الصفة ليست إلا له سبحانه كما قال تعالى: ﴿والله الغني وأنتم الفقراء﴾ (محمد، ٣٨)
وقال تعالى: ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله﴾ (فاطر، ١٥)
. وقيل: السلام بمعنى السلامة. وقيل: المراد بالسلام الجنة، سميت الجنة دار السلام؛ لأنّ أهلها يحيِّي بعضهم بعضاً بالسلام، والملائكة تسلم عليهم. قال الله تعالى: ﴿والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم﴾ (الرعد، ٣٢، ٢٤)
(٣/٣١)