ولما قسم تعالى الكفار قسمين: منهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به قسم من لا يؤمن به قسمين: منهم من يكون في نهاية البغض له والعداوة له ونهاية النفرة عن قبول دينه، ومنهم من لا يكون، كذلك، فوصف القسم الأول في قوله تعالى: ﴿ومنهم﴾ أي: من هؤلاء المشركين، ﴿من يستمعون إليك﴾ إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع بأسماعهم الظاهرة، ولا ينفعهم لشدّة عداوتهم وبغضهم لك، فإن الإنسان إذا قوي بغضه لآخر وعظمت نفرته منه صارت نفسه معرضة عن جميع جهات محاسن كلامه ﴿أفأنت تسمع الصم﴾ أي: أتقدر على إسماعهم ﴿ولو كانوا﴾ مع الصمم ﴿لا يعقلون﴾ أي: لأنّ الأصمّ العاقل ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دويّ الصوت، فإذا اجتمع سلب السمع والعقل جميعاً فقد تم الأمر، فكما أنك لا تقدر على إسماع الأصم الذي لا يعقل لا تقدر على إسماع من أصم الله تعالى قلبه، فإنَّ الله تعالى صرف قلوبهم عن الانتفاع بما يستمعون ولم يوفقهم لذلك، فشبههم بالصم في عدم الانتفاع بما يتلى عليهم، ثم وصف القسم الثاني في قوله تعالى:
(٣/٤٨)
﴿ومنهم من ينظرون إليك﴾ أي: يعاينون دلائل نبوّتك ولا يصدّقونك ﴿أفأنت تهدي العمي﴾ أي: أتقدر على هدايتهم ﴿ولو كانوا﴾ مع العمى ﴿لا يبصرون﴾ أي: لا بصيرة لهم؛ لأنَّ الأعمى الذي في قلبه بصيرة قد يحدس ويتظنن، فأمّا العمى مع الحمق فجهد البلاء، فلا تقدر على هداية من أعمى الله بصيرته، فهؤلاء في اليأس من أن يقبلوا أو يصدقوا كالصم والعمي الذين لا عقول لهم ولا بصائر، فلا يقدر على إسماعهم وهدايتهم إلا الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon