ومنهم من قال: البصر، واحتج بأمور منها: أن آلة القوّة الباصرة هي النور، وآلة القوّة السامعة هي الهواء، والنور أشرف من الهواء. ومنها: أنّ جمال الوجه يحصل بالبصر وبذهابه عيبه وذهاب السمع لا يورث الإنسان عيباً في جمال وجهه، والعرب تسمي: العينين الكريمتين، ولا تصف السمع بمثل هذا، وفي الحديث يقول الله تعالى: «من أذهبت كريمتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً دون الجنة». ومنها: أنهم قالوا في المثل المشهور: ليس وراء العيان بيان. وذلك يدل على أن أكمل وجوه الإدراكات هو الإبصار. ومنها: أنّ كثيراً من الأنبياء سمع الله، واختلفوا في أنه هل رآه منهم أحد أم لا؟ وأيضاً فإنّ موسى عليه السلام أسمعه الله تعالى كلامه من غير سبق سؤال والتماس، فلما طلب الرؤية قال: لن تراني، وذلك يدل على أنَّ حال الرؤية أعلى من حال السماع، وهذا هو الظاهر. ولما حكم تعالى على أهل الشقاوة بالشقاوة بقضائه وقدره السابق فيهم أخبر تعالى أنّ تقدير الشقوة عليهم ما كان ظلماً منه بقوله تعالى: ﴿إنّ الله لا يظلم الناس شيئاً﴾ أي: لأنه تعالى في جميع أحواله متفضل وعادل، فيتصرّف في ملكه كيف يشاء والخلق كلهم عبيده، وكل من تصرّف في ملكه بالفضل والعدل لا يكون ظالماً، وإنما قال تعالى: ﴿ولكن الناس أنفسهم يظلمون﴾ لأنّ فعلهم منسوب إليهم بسبب الكسب وإن كان قد سبق قضاء الله تعالى وقدره فيهم، ففي ذلك دليل على أنّ للعبد كسباً وأنه ليس مسلوب الاختيار كما زعمت المجبرة. وقرأ حمزة والكسائي بكسر النون مخففة ورفع السين، والباقون بنصب النون مشدّدة ونصب السين.
(٣/٥١)