﴿وإمّا﴾ فيه إدغام إن الشرطية في ما الزائدة ﴿نرينّك﴾ يا محمد ﴿بعض الذي نعدهم﴾ به من العذاب في حياتك، وجواب الشرط محذوف، أي: فذاك ﴿أو نتوفّينّك﴾ قبل أن نريك ذلك الوعد في الدنيا فإنك ستراه في الآخرة وهو قوله تعالى: ﴿فإلينا﴾ بعد البعث ﴿مرجعهم﴾ فنريك هناك ما هو أقرّ لعينك وأسرّ لقلبك، وقوله تعالى: ﴿ثم الله شهيد على ما يفعلون﴾ فيه وعيد وتهديد لهم، أي: أنه تعالى شهيد على أفعالهم التي فعلوها في الدنيا فيجازيهم عليها يوم القيامة، ولما بيّن تعالى حال محمد ﷺ مع قومه بين أنّ حال كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع أقوامهم كذلك بقوله تعالى:
﴿ولكل أمة﴾ أي: من الأمم التي خلت من قبلك ﴿رسول﴾ يدعوهم إلى الله تعالى، وقوله تعالى: ﴿فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط﴾ فيه إضمار تقديره: فإذا جاء رسولهم وبلغهم ما أرسل به إليهم فكذبه قوم وصدقه آخرون، قضي، أي: حكم وفصل بينهم بالقسط، أي: بالعدل. وفي وقت هذا القضاء والحكم بينهم قولان: أحدهما أنه في الدنيا بأن يهلك الكافرين، وينجي رسوله والمؤمنين لقوله تعالى: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً﴾ (الإسراء، ١٥) والثاني في الآخرة: وذلك أنّ الله تعالى إذا جمع الأمم يوم القيامة للحساب والفصل بين المؤمن والكافر والطائع والعاصي جيء بالرسل لتشهد عليهم لقوله تعالى: ﴿وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم﴾ (الزمر، ٦٩) والمراد منه: المبالغة في إظهار العدل وهو قوله تعالى: ﴿وهم لا يظلمون﴾ في جزاء أعمالهم شيئاً بل يجازى كل واحد على قدر عمله فكذلك يفعل بهؤلاء.
(٣/٥٣)