﴿واتل﴾ يا محمد ﴿عليهم﴾ أي: كفار قريش ﴿نبأ﴾ أي: خبر ﴿نوح﴾ وذلك ليكون لرسول الله ﷺ ولأصحابه أسوة ممن سلف من الأنبياء، فإنه كان ﷺ إذا سمع أنّ معاملة هؤلاء الكفار مع كل الرسل ما كان إلا على هذا الوجه خف ذلك على قلبه، كما يقال: المصيبة إذا عمت خفت، ولأنّ الكفار إذا سمعوا هذه القصص، وعلموا أنّ الجهال وإن بالغوا في إيذاء الأنبياء المتقدّمين، إلا أنّ الله تعالى أعلنهم بالآخرة ونصرهم وأيدهم وقهر أعداءهم؛ كان سماع هؤلاء الكفار لأمثال هذه القصص سبباً لانكسار قلوبهم ووقوع الخوف والوجل في صدورهم، ولأنّ الكلام إذا طال تقريراً في نوع من أنواع العلوم فربما حصل نوع من أنواع الملالة، فإذا انتقل الإنسان من ذلك الفن من العلم إلى فن آخر شرح صدره، وطاب قلبه، ووجد في نفسه رغبة جديدة وقوّة حادثة وميلاً قوياً؛ ولأنه ﷺ لما لم يتعلم علماً ولم يطالع كتاباً ثم ذكر هذه القصص من غير تفاوت، ومن غير زيادة، ومن غير نقصان؛ دل ذلك على أنه ﷺ إنما عرفها بالوحي والتنزيل ويبدل من نبأ نوح ﴿إذ قال لقومه﴾ وهم بنو قابيل ﴿يا قوم إن كان كبر﴾ أي: شق وعظم ﴿عليكم مقامي﴾ أي: لبثي فيكم ألف سنة إلا خمسين عاماً ﴿وتذكيري﴾ أي: وعظي إياكم ﴿بآيات الله﴾ أي: بحجته وبيناته، فعزمتم على قتلي وطردي ﴿فعلى الله توكلت﴾ أي: فهو حسبي وثقتي أو قيامي على الدعوة؛ لأنهم كانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهم يعظونهم ليكون مكانهم بيناً، وكلامهم مسموعاً كما يحكى عن عيسى عليه السلام أنه كان يعظ الحواريين قائماً وهم قعود.
(٣/٧٠)


الصفحة التالية
Icon