﴿وجاوزنا﴾ أي: قطعنا ﴿ببني اسرائيل﴾ أي: عَبَدَنَا المخلص لنا ﴿البحر﴾ حتى بلغوا الشط حافظين لهم ﴿فأتبعهم فرعون وجنوده﴾ أي: لحقهم وأدركهم يقال: تبعه وأتبعه إذا أدركه ولحقه ﴿بغياً وعدواً﴾ أي: ظلماً وعدواناً. وقيل: بغياً في القول وعدواً في الفعل، فلما أدركهم فرعون قالوا لموسى: أين المخلص والمخرج، البحر أمامنا وفرعون وراءنا، قد كنا نلقى من فرعون البلاء العظيم، فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق لموسى وقومه فكان كل فرق كالطود العظيم، وكشف عنه وجه الأرض، وانتشر لهم البحر، فلما وصل فرعون إلى البحر هابوا دخوله، وكان فرعون على حصان أدهم وكان معه في عسكره ثمانمائة ألف حصان على لون حصانه، وميكائيل يسوقهم حتى لم يشذ منهم أحد، فلما خرج آخر بني اسرائيل من البحر تقدّمهم جبريل على فرس وخاض البحر، فلما وجد الحصان ريح الأنثى لم يملك فرعون من أمره شيئاً، فنزل البحر وأتبعه جنوده، حتى إذا كملوا جميعاً في البحر وهمّ أوّلهم بالخروج التطم البحر عليهم، فلما أتاه الغرق أتى بكلمة الإخلاص كما قال تعالى: ﴿حتى إذا أدركه الغرق﴾ أي: لحقه ﴿قال آمنت أنه﴾ أي: بأنه ﴿لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين﴾. فإن قيل: إنه آمن ثلاث مرات أولها قوله: آمنت. وثانيها: قوله لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل. وثالثها: قوله وأنا من المسلمين. فما السبب في عدم القبول؟ أجاب: العلماء عن ذلك بأجوبة منها: أنه إنما آمن عند نزول العذاب، والإيمان والتوبة عند معاينة الملائكة والعذاب غير مقبول، ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا﴾ (غافر، ٨٥) ودس جبريل في فيه من حما البحر مخافة أن تناله الرحمة وقال له ﴿آلآن﴾ تؤمن ﴿وقد عصيت قبل﴾ وضيعت التوبة في وقتها وآثرت دنياك الفانية على الآخرة الباقية ﴿وكنت من المفسدين﴾ بضلالك وإضلالك عن الإيمان والتوبة حتى أغلق بابها بحضور الموت