﴿قال﴾ لهم ﴿يا قوم أرأيتم﴾ أي: أخبروني ﴿إن كنت على بينة﴾ أي: نبوّة ورسالة ﴿من ربي وآتاني رحمة﴾ أي: نبوّة ورسالة ﴿من عنده﴾ من فضله وإحسانه ﴿فعميت﴾ أي: خفيت والتبست ﴿عليكم﴾ ووحد الضمير إمّا لأنّ البينة في نفسها هي الرحمة وإمّا لأنه لكل واحدة منهما. وقرأ حفص وحمزة والكسائي بضم العين وتشديد الميم والباقون بفتح العين وتخفيف الميم ﴿أنلزمكموها﴾ أي: أنكرهكم على قبولها ﴿وأنتم لها كارهون﴾ أي: لا تختارونها ولا تتأمّلون فيها لا نقدر على ذلك. قال قتادة: والله لو استطاع نبيّ الله لألزمها قومه ولكنه لا يملك ذلك، واتفق القراء على ضم النون من أنلزمكموها لاتصالها باللام رسماً، وحيث اجتمع ضميران وليس أحدهما مرفوعاً وقدم الأعرف منهما جاز في الثاني الوصل كما في الآية، والفصل كأن يقال: أنلزمكم إياها.
﴿ويا قوم لا أسألكم عليه﴾ أي: على تبليغ الرسالة وهو وإن لم يذكر معلوم مما ذكر ﴿مالاً﴾ أي: جعلا تعطونيه ﴿إن﴾ أي: ما ﴿أجري إلا على الله﴾ أي: ما ثواب تبليغي إلا عليه فإنه المأمول منه تعالى. وقرأ ابن كثير وشعبة وحمزة والكسائي بسكون الياء والباقون بالفتح. وقول نوح عليه السلام: ﴿وما أنا بطارد الذين آمنوا﴾ جواب لهم حين طلبوا طردهم، فإنهم طلبوا من نوح عليه السلام قبل أن يطرد الذين آمنوا وهم الأرذلون في زعمهم فقال: ما يجوز لي ذلك. ﴿إنهم ملاقوا ربهم﴾ أي: بالبعث فيخاصمون طاردهم عنده ويأخذ لهم ممن ظلمهم وطردهم أو أنهم يلاقونه ويفوزون بقربه فكيف أطردهم ﴿ولكني أراكم قوماً تجهلون﴾ أي: إنّ هؤلاء المؤمنين خير منكم أو عاقبة أمركم أو تسفهون عليهم بأن تدعوهم أراذل.
﴿ويا قوم من ينصرني﴾ أي: يمنعني ﴿من الله﴾ أي: من عقابه ﴿إن طردتهم﴾ عني وهم مؤمنون مخلصون ﴿أفلا﴾ أي: فهلا ﴿تذكرون﴾ أي: تتعظون. وقرأ حفص وحمزة والكسائي بتخفيف الذال والباقون بالتشديد بإدغام التاء في الأصل في الذال.
(٣/١٢٨)


الصفحة التالية
Icon