﴿قال قائل منهم﴾ هو يهوذا وكان أحسنهم رأياً فيه، وهو الذي قال: ﴿فلن أبرح الأرض﴾ (يوسف، ٨٠) وقيل: روبيل وكان أكبرهم سناً ﴿لا تقتلوا يوسف وألقوه﴾، أي: اطرحوه ﴿في غيابت الجب﴾، أي: في أسفله وظلمته، والغيابة كل موضع ستر شيئاً وغيبه عن النظر قال القائل:

*فإن أنا يوماً غيبتني غيابتي فسيروا بسيري في العشيرة والأهل
أراد غيابة حفرته التي يدفن فيها، والجب البئر الكبيرة التي ليست مطوية سميت جباً لأنها قطعت قطعاً ولم يحصل فيها شيء غير القطع من طيّ أو ما أشبهه، وإنما ذكر الغيابة مع الجب دلالة على أن المشير أشار بطرحه في موضع مظلم من الجب لا يلحقه نظر الناظرين. قال بعض أهل العلم: إنهم عزموا على قتله وعصمه الله تعالى رحمة بهم ولو فعلوا لهلكوا أجمعين، واختلف في موضع ذلك الجب، فقال قتادة: هو ببيت المقدس وقال وهب: هو بأرض الأردن. وقال مقاتل: هو على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب. وقرأ نافع بألف بين الباء والتاء على الجمع والباقون بغير ألف على التوحيد ﴿يلتقطه﴾، أي: يأخذه ﴿بعض السيارة﴾ جمع سيار، أي: المبالغ في السير، وذلك الجب كان معروفاً يرد عليه كثير من المسافرين، فإذا أخذوه ذهبوا به إلى ناحية أخرى فنستريح منه ﴿إن كنتم فاعلين﴾، أي: ما أردتم من التفريق فاكتفوا بذلك ولما أجمعوا على التفريق بين يوسف وأبيه بضرب من الحيل.
﴿قالوا﴾ إعمالاً للحيلة في الوصول إليه مستفهمين على وجه التعجب؛ لأنه كان أحس منهم السوء فكان يحذرهم عليه ﴿يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف و﴾ الحال ﴿إنا له لناصحون﴾، أي: قائمون بمصلحته وحفظه.
تنبيه: اتفق القراء على إخفاء النون الساكنة عند النون المتحرّكة واتفقوا أيضاً على إدغامها مع الإشمام.
(٣/٢٢٣)


الصفحة التالية
Icon