﴿قال﴾ مبرئاً نفسه ﴿هي﴾ بضمير الغيبة لاستحيائه بمواجهتها بإشارة أو ضمير خطاب ﴿راودتني عن نفسي﴾، أي: طلبت مني الفاحشة فأبيت وفررت منها، وذلك أنّ يوسف عليه السلام ما كان يريد أن يذكر ذلك القول ولا يهتك سترها ولكن لما قالت هي ما قالت ولطخت عرضه احتاج إلى إزالة هذه التهمة عن نفسه، وصدقه لعمري فيما قال لا يحتاج إلى بيان أكثر من الحال الذي كان فيه وهو أنهما عند الباب ولو كان الطلب منه لما كان إلا في محلها الذي تجلس فيه وهو صدر البيت وأشرف موضع فيه، وأيضاً هو عبد لهم والعبد لا يمكنه أن يتسلط على مولاه إلى هذا الحال، وأيضاً أنّ المرأة زينت نفسها على أكمل الوجوه، وأما يوسف فما كان عليه أثر من آثار تزيين النفس فكان إلحاق هذه الفتنة بالمرأة أولى.
ثم إنه تعالى أظهر ليوسف عليه السلام دليلاً آخر يقوي تلك الدلائل المذكورة، ويدل على أنه بريء من الريب وأنّ المرأة هي المذنبة وهو قوله تعالى: ﴿وشهد شاهد من أهلها﴾، أي: وحكم حاكم من أهل المرأة، واختلفوا في هذا الشاهد، فقال سعيد بن جبير والضحاك: كان صبياً في المهد أنطقه الله تعالى كرامة ليوسف عليه السلام.
وروي أنه ﷺ قال: «تكلم في المهد أربعة وهم صغار شاهد يوسف وابن ماشطة بنت فرعون وعيسى بن مريم وصاحب جريج الراهب» رواه الإمام أحمد، وفي الصحيحين أنه ﷺ قال: «لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة؛ عيسى بن مريم وصاحب جريج وصبيّ كان يرضع أمّه فمرّ راكب حسن الهيئة فقالت أمّه: اللهم اجعل ابني مثل هذا فقال الصبي: اللهم لا تجعلني مثله» وبهذا الاعتبار صاروا خمسة وزاد الثعلبي سادساً وهو يحيى بن زكريا عليهما السلام وزاد غيره على ذلك، ولعل الحصر فيما ذكر في الحديث كان قبل العلم بالزيادة فلا تناقض وأوصلهم السيوطي إلى أحد عشر ونظمهم فقال:

*تكلم في المهد النبي محمد ويحيى وعيسى والخليل ومريم
(٣/٢٤٦)


الصفحة التالية
Icon