فإن قيل: هل يجوز التفاضل بين الأصنام وبين الله تعالى حتى يقال: إنها خير أم الله؟ أجيب: بأنّ ذلك خرج على سبيل الفرض، والمعنى: لو سلمنا أنه حصل منها ما يوجب الخير فهي خير أم الله الواحد القهار. ثم بين عجز الأصنام فقال:
﴿ما تعبدون﴾ وإنما خاطبهم بلفظ الجمع وقد ابتدأ بالتثنية في المخاطبة؛ لأنه أراد جميع من في السجن من المشركين. والعبادة خضوع القلب في أعلى مراتب الخضوع، وبيّن حقارة معبوداتهم وسفالتها بقوله: ﴿من دونه﴾، أي: الله الذي قام البرهان على إلهيته وعلى اختصاصه بذلك ﴿إلا أسماء﴾ وبيّن ما يريد وأوضحه بقوله ﴿سميتموها﴾، أي: ذوات أوجدتم لها أسماء ﴿أنتم﴾ سميتموها آلهة وأرباباً، وهي حجارة جماد خالية عن المعنى لا حقيقة لها ﴿وآباؤكم﴾ من قبلكم سموها كذلك ﴿ما أنزل الله بها﴾، أي: بعبادتها ﴿من سلطان﴾، أي: حجة وبرهان ﴿إن الحكم﴾، أي: ما الحكم ﴿إلا لله﴾، أي: المختص بصفات الكمال والحكم فصل الأمر بما تدعو إليه الحكمة ﴿أمر﴾ وهو النافذ الأمر المطاع الحكم ﴿أن لا تعبدوا إلا إياه﴾؛ لأنه المستحق للعبادة لا هذه الأسماء التي سميتموها آلهة. ولما أقام الدليل على هذا الوجه الذي كان جديراً بالإشارة إلى فضله أشار إليه بأداة البعد تنبيهاً على علوّ مقامه وعظيم شأنه فقال: ﴿ذلك﴾، أي: الشأن الأعظم وهو توحيده وإفراده عن خلقه ﴿الدين القيم﴾، أي: المستقيم الذي لا عوج فيه ﴿ولكنَّ أكثر الناس﴾ وهم الكفار ﴿لا يعلمون﴾ ما يسيرون إليه من العذاب فيشركون. ولما قرر يوسف عليه السلام أمر التوحيد والنبوّة إلى الجواب عن السؤال الذي ذكراه فقال:
(٣/٢٥٩)