﴿للذين استجابوا لربهم﴾، أي: أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعدل والنبوّة وبعث الأموات، والتزام الشرائع الواردة على لسان رسوله محمد ﷺ ﴿الحسنى﴾ قال ابن عباس وقال أهل المعاني: الحسنى هي المنفعة العظمى في الحسن، وهي المنفعة الخالصة عن شوائب المضرّة الدائمة الخالصة عن الانقطاع المقرونة بالتعظيم والإجلال، ولم يذكر تعالى الزيادة هاهنا؛ لأنه تعالى ذكرها في سورة أخرى وهي قوله تعالى ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾ (يونس، ٢٦) هذا ما لأهل الحق، وأمّا ما لأهل الباطل فهو ما ذكره بقوله جل من قائل: ﴿والذين لم يستجيبوا له﴾ وهم الكفرة فلهم أنواع ثلاثة من العذاب والعقوبة، فالنوع الأوّل قوله تعالى: ﴿لو أنّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به﴾، أي: جعلوه فكاك أنفسهم بغاية جهدهم؛ لأنّ المحبوب بالذات لكل إنسان هو ذاته، وكل ما هو سواه فهو إنما يحبه لكونه وسيلة إلى مصالح ذاته، فإذا كانت النفس في الضر والألم والتعب وكان مالكاً لما يساوي عالم الأجناس والأرواح، فإنه يرضى بأن يجعله فداء نفسه؛ لأنّ المحبوب بالعرض لا بدّ وأن يكون فداء لما كان محبوباً بالذات، والكناية في به عائدة إلى ما في قوله ما في الأرض.d
والنوع الثاني من أنواع العذاب الذي أعده الله تعالى لهم ما ذكره بقوله تعالى: ﴿أولئك لهم سوء الحساب﴾ وهو المناقشة فيه، وعن النخعي بأن يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر منه شيء، وإنما نوقشوا؛ لأنهم أحبوا الدنيا وأعرضوا عن المولى، فلما ماتوا بقوا محرومين عن معشوقهم الذي هو الدنيا وبقوا محرومين من الفوز بسعادة خدمة المولى.
(٣/٣٧٠)