﴿جنات عدن﴾، أي: إقامة لا انفكاك لها يقال: عدن بالمكان إذا أقام به، ثم استأنف بيان تمكنهم بها بقوله تعالى: ﴿يدخلونها﴾ ولما كانت الدار لا تطيب بدون الأحبة قال تعالى عاطفاً على الضمير المرفوع: ﴿ومن صلح من آبائهم﴾، أي: الذين كانوا سبباً في إيجادهم، فيشمل ذلك الآباء والأمهات وإن علوا ﴿وأزواجهم وذرياتهم﴾، أي: الذين تسببوا عنهم، والمعنى أنه يلحق بهم من صلح من أهلهم، وإن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعاً لهم وتعظيماً لشأنهم، ويقال: إنّ من أعظم موجبات سرورهم أن يجتمعوا فيتذاكروا أحوالهم في الدنيا ثم يشكروا الله تعالى على الخلاص منها والفوز بالجنة، ولذلك قال الله تعالى في صفة أهل الجنة أنهم يقولون: ﴿يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين﴾ (يس: ٢٦، ٢٧). وفي ذلك دليل على أنّ الدرجة تعلو بالشفاعة، وأن الموصوفين بتلك الصفات يقترن بعضهم ببعض لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنة زيادة في أنسهم، والتقييد بالصلاح دلالة على أنّ مجرد الأنساب لا تنفع.
وفسر ابن عباس الصلاح بالتصديق فقال: يريد من صدّق بما صدّقوا وإن لم يعمل مثل أعمالهم، قال الرازي: قوله ﴿وأزواجهم﴾ ليس فيه ما يدل على التمييز بين زوجة وزوجة، ولعل الأولى من مات عنها أو ماتت عنه، وما روي عن سودة أنها لما همّ الرسول ﷺ بطلاقها قالت: دعني يا رسول الله أحشر في جملة نسائك. كالدليل على ما ذكرنا اه. وعلى هذا من تزوجت بغيره قيل: إنها تتخير بينهما، ثم زاد تعالى في ترغيبهم بقوله تعالى: ﴿والملائكة يدخلون عليهم﴾ لأنّ الإكثار من ترداد رسل الملك أعظم في الفخر وأكثر في السرور والعز. ولما كان إتيانهم من الأماكن المعتادة مع القدرة على غيرها أدل على الأدب والكرم قال تعالى: ﴿من كل باب﴾ قال ابن عباس: لهم خيمة من درّة مجوّفة طولها فرسخ وعرضها فرسخ لها ألف باب مصارعها من ذهب يدخلون عليهم من كل باب يقولون لهم:
(٣/٣٧٥)


الصفحة التالية
Icon