يا بني اسرائيل نعمتي بالتوحيد والطاعة ﴿لأزيدنكم﴾ نعمة إلى نعمة، ولأضاعفن لكم ما آتيتكم، فإن الشكر قيد الموجود وصيد المفقود، والشكر عبارة عن الإعتراف بنعمة المنعم مع تعظيمه وتوطين النفس على هذه الطريقة، ثم قد يرتقي العبد عن تلك الحالة إلى أن يصير حبه للمنعم شاغلاً له عن الالتفات إلى النعمة، ولاشك أن منبع السعادات وعنوان كل الخيرات محبة الله تعالى ومعرفته، وأما الزيادة في النعمة فهي على قسمين: روحانية وجسمانية، فالأولى هي أن الشاكر يكون أبداً في مطالعة أقسام نعمة الله تعالى، وأنواع فضله وكرمه، وأما الثانية: فلأن الاستقراء دل على أنّ كل من كان اشتغاله بشكر نعم الله أكثر كان وصول نعم الله إليه أكثر نسأل الله تعالى القيام بواجب شكر النعمة حتى يزيدنا من فضله وكرمه وإحسانه، ويفعل ذلك بأهلينا وأحبابنا. ثم إنه تعالى لما ذكر ما يستحقه الشاكر ذكر ما يستحقه مقابله بقوله تعالى:﴿ولئن كفرتم﴾، أي: جحدتم النعمة بالكفر والمعصية لأعذبنكم دل عليه ﴿إن عذابي لشديد﴾، أي: لمن كفر نعمتي ولا يشكرها، ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد، ولما بيّن موسى أن الاشتغال بالشكر يوجب تزايد الخيرات في الدنيا والآخرة، والاشتغال بكفران النعم يوجب العذاب الشديد وحصول الآفات في الدنيا والآخرة بين بعده أن منافع الشكر ومضار الكفران لا تعود إلا إلى صاحب الشكر، وصاحب الكفران، وأما المعبود والمشكور فإنه متعال عن أن ينتفع بالشكر أو يستضر بالكفران فلا جرم قال تعالى:
﴿وقال موسى إن تكفروا أنتم﴾ يا بني اسرائيل ﴿ومن في الأرض﴾ وأكده بقوله تعالى: ﴿جميعاً﴾، أي: من الثقلين فإنما ضرر ذلك يعود على أنفسكم وحرمتموها الخير كله ﴿فإن الله لغني﴾ عن جميع خلقه فلا يزداد بشكر الشاكرين ولا ينقص بكفر الكافرين ﴿حميد﴾، أي: محمود في جميع أفعاله؛ لأنه فيها متفضل عادل وقوله تعالى:
(٣/٤٠٨)