والثاني: أنهم لما سمعوا كلام الأنبياء عجبوا منه وضحكوا على سبيل السخرية، فعند ذلك ردّوا أيديهم في أفواههم كما يفعل ذلك من غلبه الضحك، فيضع يده على فيه.
والثالث: أنهم وضعوا أيديهم على أفواههم مشيرين بذلك إلى الأنبياء أن كفوا عن هذا الكلام، واسكتوا عن ذكر هذا الحديث.
والرابع: أنهم أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وإلى ما تكلموا به من قولهم الكفر كما حكى الله تعالى ذلك عنهم بقوله تعالى: ﴿وقالوا إنَّا كفرنا بما أرسلتم به﴾ أي: على زعمكم أي: أن هذا جوابنا لكم ليس عندنا غيره إقناطاً لهم من التصديق هذا هو الأمر الثاني الذي أتوا به، وقيل: الضمير في ردوا راجع للرسل عليهم السلام، وفيه وجهان:
أحدهما أنّ الكفار أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواههم ليسكتوا وليقطعوا الكلام.
والثاني: أنّ الرسل لما أيسوا منهم سكتوا ووضعوا أيدي أنفسهم، على أفواه أنفسهم فإنّ من ذكر كلاماً عند قوم وأنكروه وخافهم، فذلك المتكلم ربما وضع يد نفسه على فم نفسه، وغرضه أن يعرّفهم أنه لا يعود إلى ذلك الكلام البتة، والأمر الثالث: قولهم: ﴿وإنا لفي شك مما﴾، أي: شيء ﴿تدعوننا﴾ أيها الرسل ﴿إليه﴾، أي: من الدين ﴿مريب﴾، أي: موجب الريبة، أي: موقع في الريبة والشبهة والريبة قلق النفس وأن لا تطمئن إلى الأمر الذي يشك فيه. فإن قيل: إنهم قالوا أولاً: إنّا كفرنا بما أرسلتم به، فكيف يقولون ثانياً (وإنا لفي شك) والشك دون الكفر؟ أجيب: بأنهم لما صرحوا بكفرهم بالرسل كلهم حصل لهم شبه توجب الشك لهم فقالوا: إن لم ندع الجزم واليقين في كفرنا فلا أقلّ من أن نكون شاكين مرتابين في صحة نبوتكم، وعلى التقديرين فلا سبيل إلى الاعتراف بنبوتكم. ولما قال هؤلاء الكفار للرسل ذلك.
(٣/٤١١)


الصفحة التالية
Icon