والثاني: الفتح الحكم والقضاء، أي: واستحكموا الله وسألوه القضاء بينهم، وهو مأخوذ من الفتاحة، وهي الحكومة كقوله تعالى: ﴿ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق﴾ (الأعراف، ٨٩)
. فعلى القول الأول المستفتح هم الرسل؛ لأنهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب لما أيسوا من إيمانهم. قال نوح: ﴿رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً﴾ (نوح، ٢٦)
وقال موسى: ﴿ربنا اطمس على أموالهم﴾ (يونس، ٨٨)
وقال لوط: ﴿انصرني على القوم المفسدين﴾ (العنكبوت، ٣٠)
. وعلى القول الثاني: قال الرازي: فالأولى أن يكون المستفتح هم الأمم وذلك أنهم قالوا: اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين، فعذبنا، ومنه قول كفار ﴿قريش: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء﴾ (الأنفال، ٣٢)
. وكقول آخرين: ﴿ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين﴾ (العنكبوت، ٢٩)
. ﴿وخاب﴾، أي: خسر وهلك ﴿كل جبار﴾، أي: متكبر عن طاعة الله، وقيل: هو الذي لا يرى فوقه أحداً، وقيل: هو المتعظم في نفسه المتكبر على أقرانه، واختلفوا في قوله تعالى: ﴿عنيد﴾ فقال مجاهد: معاند للحق ومجانبه. وقال ابن عباس: هو المعرض عن الحق. وقال مقاتل: هو المتكبر. وقال قتادة: هو الذي يأبى أن يقول لا إله إلا الله، وقيل: هو المعجب بما عنده. ولما حكم تعالى على الكافر بالخيبة، ووصفه بكونه جباراً عنيداً وصف كيفية عذابه بأمور: الأوّل: قوله تعالى:
﴿من ورائه﴾، أي: أمامه ﴿جهنم﴾، أي: هو صائر إليها. قال أبو عبيدة: هو من الأضداد وقال الشاعر:
*عسى الكرب الذي أمسيت فيه
... يكون وراءه فرج قريب
ويقال أيضاً: الموت وراء كل أحد. وقال تعالى: ﴿وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً﴾ (الكهف، ٧٩)، أي: أمامهم. وقال ثعلب: هو اسم لما توارى عنك سواء كان خلفك أم قدامك، فيصح إطلاق لفظ الوراء على خلف وقدّام. وقال ابن الأنباري: وراء بمعنى بعد. قال الشاعر: وليس وراء الله للخلق مهرب.
(٣/٤١٧)