﴿كل حين بإذن ربها﴾، أي: بإرادته، والحين في اللغة الوقت يطلق على القليل والكثير، واختلفوا في مقدار هذا، فقال مجاهد: الحين هنا سنة كاملة؛ لأنّ النخلة تثمر في كل سنة مرّة. وقال قتادة: ستة أشهر يعني من حين طلعها إلى وقت صرامها. وقال الربيع: كل حين يعني كل غدوة وعشية؛ لأنّ ثمر النخل يؤكل
(٣/٤٢٨)
ليلاً ونهاراً وصيفاً وشتاء، فيؤكل منها الجمار والطلع والبلح والخلال والبسر والمنصف والرطب، وبعد ذلك يؤكل التمر اليابس إلى حين الطري الرطب، فأكلها دائم في كل وقت.
قال العلماء: ووجه الحكمة في تمثيل كلمة الإخلاص بالشجرة؛ لأنّ الإيمان ثابت في قلب المؤمن كثبوت أصل هذه الشجرة في الأرض، وعمله يصعد إلى السماء كما قال تعالى: ﴿إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه﴾ (فاطر، ١٠)
فكذلك فرع هذه عال في السماء، وتنال بركته وثوابه كل وقت، والمؤمن كلما قال: لا إله إلا الله، صعدت إلى السماء، وجاءه بركتها وخيرها وثوابها ومنفعتها؛ ولأنّ الشجرة لا تكون شجرة إلا بثلاثة أشياء عرق راسخ وأصل قائم، وفرع عال، كذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء تصديق القلب، وقول اللسان، وعمل الأبدان، ثم نبه تعالى على عظم هذا المثل ليقبل على تدبره ليعلم المراد منه فيلزم فقال: ﴿ويضرب الله﴾، أي: الذي له الإحاطة الكاملة ﴿الأمثال للناس لعلهم يتذكرون﴾، أي: يتعظون، فإنّ في ضرب الأمثال زيادة إفهام، وتذكير وتصوير للمعاني العقلية، فيحصل الفهم التامّ والوصول إلى المطلوب. ولما ذكر مثل حال السعداء أتبعه بمثل حال الأعداء فقال:
﴿ومثل كلمة خبيثة﴾ هي كلمة الكفر ﴿كشجرة خبيثة﴾ هي الحنظل وقيل: الثوم، وقيل: الكشوث بمثلثة في آخره. قال الجوهري: نبت يتعلق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض قال الشاعر:
*هي الكشوث لا أصل ولا ورق
... ولا نسيم ولا ظل ولا ثمر
(٣/٤٢٩)


الصفحة التالية
Icon