﴿وجعلوا لله﴾، أي: الذين يعلمون أنه لا شريك له في خلقهم ولا رزقهم؛ لأنّ له الكمال كله ﴿أنداداً﴾، أي: شركاء، وقوله تعالى: ﴿ليضلوا عن سبيله﴾، أي: دين الإسلام، فيه قراءتان: قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء من ضلّ، يضلّ والباقون بضم الياء من أضل يضل، وليس الضلال ولا الإضلال غرضهم في اتخاذ الأنداد لكن لما كان نتيجته جعل كالغرض. ولما حكى الله تعالى عنهم هذه الأنواع الثلاثة من الأعمال القبيحة قال لنبيه ﷺ ﴿قل﴾، أي: تهديداً لهم، فإنهم لا يشكون في قولك وإن عاندوا ﴿تمتعوا﴾ بدنياكم قليلاً ﴿فإن مصيركم﴾، أي: مرجعكم ﴿إلى النار﴾ في الآخرة، ولما أمر الله تعالى الكافرين على سبيل التهديد والوعيد بالتمتع بنعيم الدنيا، أمر المؤمنين بترك التمتع بالدنيا والمبالغة في المجاهدة بالنفس والمال بقوله تعالى:
(٣/٤٣٣)
﴿قل لعبادي﴾ فوصفهم بأشرف أوصافهم، وأضافهم إلى ضميره الشريف تحبباً لهم فيه، ثم أتبع هذا الوصف ما يناسبه من إذعانهم لسيدهم بقوله تعالى: ﴿الذين آمنوا﴾، أي: أوجدوا هذا الوصف ﴿يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم﴾ فيه وجهان: أحدهما: يصح أن يكون جواباً بالأمر محذوف تقديره قل لعبادي الذين آمنوا: أقيموا الصلاة وأنفقوا يقيموا الصلاة وينفقوا. والثاني: يصح أن يكون هو أمراً مقولاً محذوفاً منه اللام، أي: ليقيموا ليصح تعلق القول بهما، وإنما حسن ذلك هاهنا ولم يحسن في قوله:
*محمد تفد نفسك كل نفس
... إذا ما خفت من شيء تبالا
أي تبالى به، أي: تكثرت به لدلالة قل عليه: ﴿سراً وعلانية﴾، أي: ينفقون أموالهم في حال السر والعلانية، وقيل: المراد بالسر صدقة التطوع، وبالعلانية إخراج الزكاة الواجبة.