تنبيه: اتفق كل الفرق على أن قوله: أضللن مجاز؛ لأنها جمادات، والجماد لايفعل شيئاً البتة إلا أنه لما حصل عند عبادتها أضيف إليها كما تقول: فتنتهم الدنيا وغرّتهم، أي: افتتنوا بها واغتروا بسببها ثم قال: ﴿فمن تبعني﴾، أي: على التوحيد ﴿فإنه مني﴾، أي: فإنه جار مجرى بعضي لفرط اختصاصه وقربه مني ﴿ومن عصاني﴾، أي: في غير الدين ﴿فإنك غفور رحيم﴾ وهذا صريح في طلب الرحمة والمغفرة لأولئك العصاة، وإذا ثبت حصول هذه الشفاعة في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثبت حصولها في حق محمد ﷺ لأنه مأمور بالإقتداء به كما قال تعالى: ﴿واتبع ملة إبراهيم﴾ (النساء، ١٢٥)
وقيل: إنّ هذا الدعاء كان قبل أن يعلم إبراهيم أنّ الله لايغفر الشرك، وقيل: إنك قادر أن تغفر له وترحمه بأن تنقله عن الكفر إلى الإسلام، وقيل: المراد من هذه المغفرة أن لا يعاجلهم بالعقاب، فلا يمهلهم حتى يتوبوا، قال الرازي: واعلم أنّ هذه الأوجه ضعيفة، وارتضى ما تقرّر أولاً.
(٣/٤٤٠)
تنبيه: حكى الله سبحانه وتعالى عن إبراهيم عليه السلام في هذا الموضع أنه طلب من الله تعالى سبعة أمور: الأوّل: طلب من الله تعالى نعمة الأمان، وهو (رب اجعل هذا البلد آمناً) المطلوب الثاني: أن يرزقه الله تعالى التوحيد ويصونه عن الشرك وهو قوله: ﴿واجنبني وبني أن نعبد الأصنام﴾ المطلوب الثالث قوله:
﴿ربنا إني أسكنت من ذريتي﴾ (إبراهيم، ٣٧)، أي: بعض ذريتي أو ذرّية من ذريتي، فحذف المفعول على هذا القول، وهم إسماعيل ومن ولد منه فإن إسكانه متضمن لإسكانهم ﴿بواد﴾ هو وادي مكة المشرفة لكونه في فضاء منخفض بين جبال تجري فيه السيول ﴿غير ذي زرع﴾، أي: لايكون فيه من الزرع قط، فإنه حجري لا ينبت كقوله تعالى: ﴿قرآناً عربياً غير ذي عوج﴾ (الزمر، ٢٨)
(٣/٤٤١)


الصفحة التالية
Icon