. والثاني: أنّ المقصود منه بيان أنه لو لم ينتقم لكان عدم الانتقام لأجل غفلته عن ذلك الظلم. والثالث: أنّ المراد ولا تحسبنه معاملهم معاملة الغافل عما يعملون، ولكن معاملة الرقيب عليهم المحاسب على النقير والقطمير. والرابع: أن يكون هذا الكلام وإن كان خطاباً مع النبيّ ﷺ في الظاهر إلا أنه يكون في الحقيقة خطاباً مع الأمّة. ثم بيّن تعالى أنه ﴿إنما يؤخرهم﴾، أي: عذابهم ﴿ليوم﴾ موصوف بخمس صفات الصفة الأولى: قوله تعالى: ﴿تشخص فيه الأبصار﴾، أي: أبصارهم لا تقرّ مكانها من هول ما ترى في ذلك اليوم. الصفة الثانية: قوله تعالى:
(٣/٤٤٩)
﴿مهطعين﴾، أي: مسرعين إلى الداعي أو مقبلين بأبصارهم لا يطرقون هيبة وخوفاً. وقيل: المهطع الخاضع الذليل الساكن. الصفة الثالثة: قوله تعالى: ﴿مقنعي رؤوسهم﴾، أي: رافعيها إذ الإقناع: رفع الرأس إلى فوق، فأهل الموقف من صفتهم أنهم رافعو رؤوسهم إلى السماء، وهذا بخلاف المعتاد؛ لأنّ من يتوقع البلاء يطرق بصره إلى الأرض. وقال الحسن: وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء لا ينظر أحد إلى أحد. الصفة الرابعة: قوله تعالى: ﴿لا يرتدّ إليهم طرفهم﴾، أي: بل تثبت عيونهم شاخصة لا يطرفون بعيونهم، ولكن عيونهم مفتوحة ممدودة من غير تحريك للأجفان قد شغلهم ما بين أيديهم. الصفة الخامسة: قوله تعالى: ﴿وأفئدتهم﴾، أي: قلوبهم ﴿هؤاء﴾، أي: خالية من العقل لفرط الحيرة والدهشة. وقال قتادة: خرجت قلوبهم عن صدورهم، فصارت في حناجرهم، فلا تخرج من أفواههم ولا تعود إلى أماكنها.
تنبيه: اختلفوا في وقت حصول هذه الصفات، فقيل: إنها عند المحاسبة بدليل أنه تعالى إنما ذكر هذه الصفات عقب وصف ذلك بأنه يقوم الحساب، وقيل: إنها تحصل عندما يتميز فريق عن فريق، فالسعداء يذهبون إلى الجنة والأشقياء إلى النار. وقيل: يحصل عند إجابة الداعي والقيام من القبور. قال الرازي: والأوّل أولى.