﴿ما تسبق﴾ وأكد الاستغراق بقوله تعالى: ﴿من أمة﴾ وقيل: من مزيدة كقولك: ما جاءني من أحد، أي: أحد وبيّن أنّ المراد بالكتاب الأجل بقوله تعالى: ﴿أجلها﴾، أي: الذي قدّرناه لها. ﴿وما يستأخرون﴾، أي: عنه. تنبيه: أنث الأمة أولاً ثم ذكرها آخراً حملاً على اللفظ الأوّل وعلى المعنى في الثاني. قال البقاعي: وإنما ذكره لئلا يصرفوه إلى خطابه ﷺ تعنتاً وفي الآية دليل على أنّ كل من مات أو قتل فإنما مات بأجله وإن من قال بجواز أن يموت قبل أجله مخطئ. ولما بالغ تعالى في تهديد الكفار ذكر شبههم في إنكار نبوّته ﷺ بقوله تعالى:
﴿وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر﴾، أي: القرآن في زعمه ﴿إنك لمجنون﴾ إنما نسبوه إلى الجنون إما لأنهم كانوا يستبعدون كونه رسولاً حقاً من عند الله لأنّ الرجل إذا سمع كلاماً مستبعداً من غيره فربما قال به جنون، وإما لأنه عليه الصلاة والسلام كان يظهر عليه عند نزول الوحي حالة شبيهة بالغشي فظنوا أنها جنون ويدل عليه قوله تعالى: ﴿أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة﴾ (الأعراف، ١٨٤)
ثم أتبعوه ما زعموا أنه دليل على قولهم فقالوا:
﴿لو ما﴾، أي: هلا ﴿تأتينا بالملائكة﴾، أي: يشهدون لك بأنك رسول من عند الله حقاً. ﴿إن كنت من الصادقين﴾ في إدعائك للرسالة وأنّ هذا القرآن من عند الله ولما كان في قولهم أمران أجاب الله تعالى عن قولهم الثاني لأنه أقرب بقوله تعالى:
﴿وما ننزل الملائكة إلا بالحق﴾، أي: إلا تنزلاً ملتبساً بالحكمة والمصلحة ولا حكمة في أن نأتيكم بهم عياناً تشاهدونهم ويشهدون لكم بصدق النبيّ ﷺ لأنكم حينئذ مصدقون عن اضطرار ومثله قوله تعالى: ﴿وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق﴾ (الحجر، ٨٥)
(٣/٤٦١)


الصفحة التالية
Icon