﴿وجعلنا لكم فيها﴾، أي: إنعاماً منا وتفضلاً عليكم ﴿معايش﴾ وهي بياء صريحة من غير مدّ جمع معيشة وهو ما يعيش به الإنسان مدّة حياته في الدنيا من المطاعم والملابس والمعادن وغيرها. ﴿و﴾ جعلنا لكم ﴿من لستم له برازقين﴾ من العبيد والأنعام والدواب والطير فإنكم تنتفعون بها ولستم لها برازقين لأنّ رزق جميع الخلق على الله تعالى وبعض الجهال يظنون في أكثر الأمر أنهم هم الذين يرزقون العيال والخدم والعبيد، وذلك خطأ فإنّ الله هو الرزاق يرزق المخدوم والخادم والمملوك والمالك لأنه تعالى خلق الأطعمة والأشربة وأعطى القوة الغاذية والهاضمة وإلا لم يحصل لأحد رزق. فإن قيل: صيغة من مختصة بمن يعقل؟ أجيب: بأنه تعالى أثبت لجميع الدواب رزقاً على الله تعالى حيث قال: ﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها﴾ (هود: ٦)
﴿والأرض مددناها﴾ قال ابن عباس: بسطناها على وجه الماء. قال البغوي: يقال إنها مسيرة خمسمائة سنة في مثلها دحيت من تحت الكعبة. فإن قيل: فهل يدل ذلك على أنها بسيطة أو كرة عظيمة على ما يقوله أرباب الهيئة؟ أجيب: بأن ليس في الآية دلالة على شيء من ذلك، لأنّ الأرض على تقدير كونها كرة فهي في غاية العظمة والكرة العظيمة ترى كالسطح المستوي، وتقدّم الكلام على ذلك في سورة البقرة، وسيأتي زيادة على ذلك إن شاء الله تعالى في سورة والنازعات. النوع الثاني: قوله تعالى: ﴿وألقينا فيها رواسي﴾، أي: جبالاً ثوابت واحدها راس والجمع راسية وجمع الجمع رواسي. وهو كقوله تعالى: ﴿وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم﴾ (النحل، ١٥)
(٣/٤٧٠)


الصفحة التالية
Icon