﴿وجعلنا لكم فيها﴾، أي: إنعاماً منا وتفضلاً عليكم ﴿معايش﴾ وهي بياء صريحة من غير مدّ جمع معيشة وهو ما يعيش به الإنسان مدّة حياته في الدنيا من المطاعم والملابس والمعادن وغيرها. ﴿و﴾ جعلنا لكم ﴿من لستم له برازقين﴾ من العبيد والأنعام والدواب والطير فإنكم تنتفعون بها ولستم لها برازقين لأنّ رزق جميع الخلق على الله تعالى وبعض الجهال يظنون في أكثر الأمر أنهم هم الذين يرزقون العيال والخدم والعبيد، وذلك خطأ فإنّ الله هو الرزاق يرزق المخدوم والخادم والمملوك والمالك لأنه تعالى خلق الأطعمة والأشربة وأعطى القوة الغاذية والهاضمة وإلا لم يحصل لأحد رزق. فإن قيل: صيغة من مختصة بمن يعقل؟ أجيب: بأنه تعالى أثبت لجميع الدواب رزقاً على الله تعالى حيث قال: ﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها﴾ (هود: ٦)
فغلب من يعقل على غيره. حكي أنّ الماء قد قلّ في بعض الأودية والجبال واشتدّ الحرّ قال بعضهم: فرأيت بعض تلك الوحوش رفعت رؤوسها إلى السماء عند اشتداد عطشها قال: فرأيت الغيوم قد أقبلت وأمطرت وامتلأت الأودية. تنبيه: قيل لا يجوز أن يكون و﴿من لستم له برازقين﴾ (الحجر، ٢٠)
مجروراً عطفاً على الضمير لا يقال: أخذت منك وزيد إلا بإعادة الخافض كما في قوله تعالى: ﴿وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح﴾ (الأحزاب، ٧)
والراجح الجواز كما قرئ قوله تعالى: ﴿تساءلون به والأرحام﴾ (النساء، ١)
بالخفض في القراءات السبع وهذا أعظم دليل.
(٣/٤٧٢)


الصفحة التالية
Icon