﴿قال رب﴾ أي: أيها الموجد والمدبر لي وقوله: ﴿بما أغويتني﴾ أي: خيبتني من رحمتك الباء فيه للقسم وما مصدرية وجواب القسم ﴿لأزينن﴾ أي: أقسم بإغوائك إياي لأزينن ﴿لهم في الأرض﴾ حب الدنيا ومعاصيك كقوله: ﴿فبعزتك لأغوينهم أجمعين﴾ (ص، ٨٢)
إلا أنه في ذلك الموضع أقسم بعزة الله وهي من صفات الذات وهنا أقسم بإغواء الله، وهي من صفات الأفعال، والفقهاء قالوا: القسم بصفات الذات صحيح، واختلفوا في القسم بصفات الأفعال والراجح فيها الصحة. ﴿ولأغوينهم﴾ أي: بالإضلال عن الطريق الحميدة بإلقاء الوسوسة في قلوبهم ولأحملنهم. ﴿أجمعين﴾ على الغواية وقوله:
﴿إلا عبادك منهم المخلصين﴾ قرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بكسر اللام، أي: الذين أخلصوا دينك عن الشوائب وقرأه الباقون بفتحها، أي: الذين أخلصهم الله تعالى بالهداية وإنما استثنى إبليس المخلصين لأنه علم أنّ كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلون منه. وقال الرازي: والذي حمله على هذا الاستثناء أنه لا يصير كاذباً في دعواه فلما احترز إبليس عن الكذب علمنا أنّ الكذب في غاية الخساسة. تنبيه: قال رويم: الإخلاص في العمل هو أن لا يريد صاحبه عنه عوضاً من الدارين ولا عوضاً من الملكين. وقال الجنيد: الإخلاص سر بين العبد وبين الله تعالى لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده ولا هوى فيميله. وذكر القشيري وغيره عن النبيّ ﷺ أنه قال: «سألت جبريل عليه السلام عن الإخلاص ما هو؟ قال: سألت رب العزة عن الإخلاص ما هو؟ قال: سرّ استودعته قلب من أحب من عبادي». ولما ذكر إبليس أنه يغوي بني آدم إلا من عصمه الله بتوفيقه وتضمن هذا الكلام تفويض الأمور إلى الله تعالى وإلى إرادته.
(٣/٤٨٣)


الصفحة التالية
Icon