﴿والأنعام﴾ أي: الأزواج الثمانية الضأن، والمعز، والإبل، والبقر، ونصبه بفعل يفسره ﴿خلقها﴾. قال الواحدي: تم الكلام عند قوله: ﴿والأنعام خلقها﴾ ثم ابتدأ فقال: ﴿لكم فيها دفء﴾ أي: ما يدفأ به من اللباس والأكسية ونحوها المتخذة من الأصواف والأوبار والأشعار. قال: ويجوز أيضاً أن يكون تمام الكلام عند قوله: ﴿والأنعام خلقها لكم﴾ ثم ابتدأ فقال تعالى: ﴿فيها دفء﴾. قال الرازي: قال صاحب النظم: وأحسن الوجهين أن يكون الوقف عند قوله تعالى: ﴿خلقها﴾ والدليل عليه أنه عطف عليه ﴿ولكم فيها جمال﴾ والتقدير لكم فيها دفء ولكم فيها جمال. ولما ذكر تعالى الأنعام ذكر لها أنواعاً من المنافع الأوّل: قوله تعالى: ﴿لكم فيها دفء﴾. والنوع الثاني: قوله تعالى: ﴿ومنافع﴾ أي: ولكم فيها منافع من نسلها ودرها وركوبها والحمل عليها وسائر ما ينتفع به من الأنعام وإنما عير تعالى عن ذلك بلفظ المنفعة وهو اللفظ الدال على الوصف الأعم لأنّ الدر والنسل قد ينتفع به في الأكل وقد ينتفع به في البيع بالنقود وقد ينتفع به بأن يبدل بالثياب وسائر الضروريات، فعبر عن جملة هذه الأقسام بلفظ المنافع ليتناول الكل. النوع الثالث: قوله تعالى: ﴿ومنها تأكلون﴾ فإن قيل: تقديم الظرف يفيد الحصر لأنّ تقديم الظرف موذن بالاختصاص وقد يؤكل من غيرها. أجيب: بأنّ الأكل من هذه الأنعام هو الذي يعتمده الناس في معايشهم، وأمّا الأكل من غيرها كالدجاج والبط والأوز وصيد البرّ والبحر فليس بمعتد به في الأغلب، وأكله يجري مجرى التفكه به فخرج ومنها تأكلون مخرج الغالب في الأكل من هذه الأنعام. فإن قيل: منفعة الأكل مقدمة على منفعة اللباس فلم قدّمت منفعة اللباس عليه؟ أجيب: بأنّ منفعة اللباس أكثر من منفعة الأكل فلهذا قدّمت على منفعة الأكل.
(٤/١٥)