﴿وإن تعدّوا﴾ كلكم ﴿نعمت الله﴾ أي: إنعام الملك الأعظم الذي لا رب غيره عليكم من صحة البدن وعافية الجسم وإعطاء النظر الصحيح والعقل السليم وبطش اليدين ومشى الرجلين إلى غير ذلك مما أنعم به عليكم وما خلق لكم مما تحتاجون إليه من أمر الدنيا حتى لو رام أحدكم معرفة أدنى نعمة من هذه النعم لعجز عنها وعن معرفتها وحصرها فإن نتبعها يفوت الحصر. ﴿لا تحصوها﴾ أي: لا تضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم مع كثرتها وإعراضكم جملة عن شكرها والعبد وإن أتعب نفسه في القيام بالطاعات والعبادات وبالغ في شكر نعم الله تعالى فإنه يكون مقصراً لأنّ نعم الله كثيرة وأقسامها عظيمة وعقل الخلق قاصر عن الإحاطة بمبادئها فضلاً عن غاياتها لكن الطريق إلى ذلك أن يشكر الله تعالى على جميع نعمه مفصلها ومجملها. ﴿إنّ الله لغفور﴾ أي: لتقصيركم في القيام بشكرها يعني النعمة كما يجب عليكم ﴿رحيم﴾ بكم فوسع عليكم النعم ولم يقطعها عنكم بسبب التقصير والمعاصي.
وقوله تعالى: ﴿والله يعلم ما تسرون وما تعلنون﴾ فيه وجهان: الأوّل: أنّ الكفار مع كفرهم كانوا ليسرون أشياء وهو ما كانوا يمكرون بالنبيّ ﷺ وما يعلنون، أي: وما يظهرون من أذاه ﷺ فأخبر الله تعالى بأنه عالم بكل أحوالهم سرها وعلانيتها لا يخفى عليه خافية وإن دقت وخفيت. والوجه الثاني: أنه تعالى لما ذكر الأصنام وذكر عجزها في الآية المتقدّمة ذكر في هذه الآية أنّ الإله الذي يستحق العبادة يجب أن يكون عالماً بكل المعلومات سرها وجهرها وهذه الأصنام ليست كذلك فلا تستحق العبادة. ثم وصف تعالى هذه الأصنام بصفات الأولى مذكورة في قوله تعالى:
(٤/٣٢)