نفسانية وإمّا بدنية وإمّا خارجية، وكل واحد من هذه الثلاثة جنس تحته أنواع خارجة عن الحصر. كما قال تعالى: ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾ (إبراهيم، ٣٤)
وقد مرّت الإشارة إلى ذلك عند ذكر هذه الآية. ولما كان إخلاصهم له مع ادعائهم ألوهية غيره أمراً مستبعداً عبر بأداة التراخي والبعد في قوله تعالى: ﴿ثم إذا مسكم﴾ أي: أصابكم أدنى مس ﴿الضّرّ﴾ بزوال نعمة مما أنعم به عليكم. وقال ابن عباس: يريد الأسقام والأمراض والحاجة. ﴿فإليه﴾ أي: لا إلى غيره ﴿تجأرون﴾ أي: ترفعون أصواتكم بالاستغاثة لما ركز في فطرتكم الأوّلية السليمة من أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه.
﴿ثم إذا كشف﴾ سبحانه وتعالى ﴿الضّرّ﴾ أي: الذي مسكم ﴿عنكم﴾ ونبه على مسارعة الإنسان في الكفران فقال: ﴿إذا فريق﴾ أي: جماعة هم أهل فرقة وضلال ﴿منكم﴾ أي: أيها العباد ﴿بربهم﴾ الذي تفرّد بالإنعام عليهم ﴿يشركون﴾ أي: يوقعون الإشراك بعبادة غيره.
﴿ليكفروا بما آتيناهم﴾ أي: من النعم. تنبيه: في هذه اللام وجهان: الأوّل: أنها لام كي فيكون المعنى على هذا أنهم إنما أشركوا بالله ليجحدوا نعمه عليهم في كشف الضر. الثاني: أنها لام العاقبة كما في قوله تعالى: ﴿فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا وحزناً﴾ (القصص، ٨)
والمعنى عاقبة أمرهم هو كفرهم بما آتيناهم من النعماء، وكشفنا عنهم الضر والبلاء. ثم إنه تعالى توعدهم بعد ذلك بقوله تعالى: ﴿فتمتعوا﴾ أي: باجتماعكم على عبادة الأصنام وهذا لفظه أمر والمراد منه التهديد كقوله تعالى: ﴿قل آمنوا به أو لا تؤمنوا﴾ (الإسراء، ١٠٧)
. وقوله تعالى: ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ (الكهف، ٢٩)
. ﴿فسوف تعلمون﴾ عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب. ولما بين تعالى بالدلائل القاهرة فساد قول أهل الشرك والتشبيه شرح تفاصيل أقوالهم، وبين فسادها بأنواع الأوّل قوله تعالى:
(٤/٦٣)


الصفحة التالية
Icon