﴿والله﴾ أي: الذي له الأمر كله ﴿أنزل من السماء﴾ في الوقت الذي يريده ﴿ماء﴾ بالمطر والثلج والبرد ﴿فأحيا به﴾ أي: بذلك الماء ﴿الأرض﴾ بأنواع النبات ﴿بعد موتها﴾ أي: يبسها ﴿إنّ في ذلك﴾ المذكور ﴿لآية﴾ أي: دلالة واضحة على كمال قدرته تعالى ﴿لقوم يسمعون﴾ أي: سماع تدبر وإنصاف ونظر لأنّ سماع القلوب هو النافع لاسماع الآذان فمن سمع آيات القرآن بقلبه وتدبرها وتفكر فيها انتفع ومن لم يسمع بقلبه فكأنه أصم لم يسمع فلم ينتفع بالآيات ومن الدلائل المذكورة في هذه الآية الاستدلال بعجائب أحوال الحيوانات وهو قوله:
﴿وإنّ لكم في الأنعام لعبرة﴾ أي: اعتباراً إذا تفكرتم فيها وعرفتم كمال قدرتنا وقوله تعالى: ﴿نسقيكم مما في بطونه﴾ استئناف بيان للعبرة وإنما ذكر لفظ الضمير لأنه لفظ الأنعام مفرد وضع لإفادة الجمع كالرهط والقوم ولا من اللبس والدلالة على قوّة المعنى لكونها سورة النعم وأنثه في سورة المؤمنون للمعنى فإنّ الأنعام اسم جمع ولذلك عدّه سيبويه في باب ما لا ينصرف في الأسماء المفردة الواردة على أفعال كقولهم: ثوب أكياش بياء تحتية وشين معجمة ضرب من الثياب يغزل مرتين ومن قال إنه جمع نعم جعل الضمير للبعض فإنّ اللبن لبعضها دون جميعها. وقرأ نافع وابن عامر وشعبة بفتح النون تقول: سقيته حتى روي. قال تعالى: ﴿وسقاهم ربهم شراباً طهوراً﴾ (الإنسان، ٢١)
. والباقون بضمها من قولك: اسقاه إذا جعل له شراباً كقوله تعالى: ﴿وأسقيناكم ماءً فراتاً﴾ (المرسلات، ٢٧)
. ولما كان في موضع العبرة تخليص اللبن من غيره قدم قوله تعالى: ﴿من بين فرث﴾ وهو الثفل الذي نزل إلى الكرش فإذا خرج منه لم يسم فرثاً. ﴿ودمٍ لبناً خالصاً﴾ أي: صافياً خلقه الله وسطاً بين الفرث والدم يكتنفانه وبينه وبينهما بزرخ من قدرة الله لا يبغي عليه أحدهما بلون أو رائحة أو طعم.d
(٤/٧٣)


الصفحة التالية
Icon