ثم ضرب الله تعالى مثلاً للذين جعلوا لله شركاء بقوله تعالى: ﴿فما الذين فضلوا﴾ أي: في الرزق وهم الموالي ﴿برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم﴾ أي: بجاعلي ما رزقناهم من الأموال وغيرها بينهم وبين مماليكهم ﴿فهم﴾ أي: المماليك والموالي ﴿فيه سواء﴾ أي: شركاء يقول الله تعالى هم لا يرضون أن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقناهم سواء فكيف يجعلون بعض عبيدي شركائي في ملكي وسلطاني، وقيل: معنى الآية أنّ الموالي والمماليك الله رازقهم جميعاً فهم في رزقه سواء فلا تحسبن الموالي يردّون أرزاقهم على مماليكهم من عند أنفسهم بل ذلك رزق الله أجراه على أيدي الموالي للماليك.
والمقصود منه بيان أنّ الرازق هو الله تعالى لجميع خلقه وأنّ الموالي والمماليك في ذلك الرزق سواء وأنّ المالك لا يرزق المملوك وإنما ذلك رزقي أجريته إليهم على أيديهم فالرازق للمالك والمملوك هو الله تعالى.
ولما قرّر سبحانه وتعالى هذه الدلائل وبينها وأظهرها بحيث يفهمها كل عاقل كان ذلك إنعاماً عظيماً منه على الخلق فعند هذا قال: ﴿أفبنعمة الله﴾ في تقرير هذه البيانات وإيضاح هذه البينات ﴿يجحدون﴾ أن يكفرون وفي ذلك إنكار على المشركين حيث جحدوا نعمته وعبدوا غيره وجعلوا له شركاء يضيفون إليهم بعض ما أنعم به عليهم فيسوّون بينهم وبينه في ذلك. وقرأ شعبة بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة ثم إنه تعالى ذكر نوعاً آخر من أحوال الناس ليستدلّ به على وجود الإله المختار الحكيم وتنبيهاً على إنعام الله تعالى على عبيده بمثل هذه النعم بقوله تعالى:
(٤/٨٦)