ثم إنه تعالى ضرب لعبدة الأوثان مثلاً آخر بقوله تعالى: ﴿وضرب الله مثلاً﴾ ثم أبدل منه ﴿رجلين﴾ ثم استأنف البيان لما أجمل فقال ﴿أحدهما أبكم﴾ وهو الذي ولد أخرس فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم وروى ثعلب عن ابن الأعرابي: الأبكم الذي لا يسمع و لايبصر وصف الله تعالى هذا الرجل بصفة ثانية بقوله تعالى: ﴿لايقدر على شيء﴾ لأنه لايفهم و لاَيُفهم وفي ذلك إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل ثم وصفه الله تعالى بصفة ثالثة بقوله تعالى: ﴿وهو﴾ أي: ذلك الأبكم العاجز﴿كلّ على مولاه﴾ أي: ثقيل على من ولي أمره ويعوله، قال أهل المعاني: أصله من الغلظ الذي هو نقيض الحدة يقال: كلّ السكين إذا غلظت شفرته فلم تقطع وكلَّ اللسان إذا غلظ فلم يقدر على الكلام وكل فلان عن الأمر إذا ثقل عليه فلم ينهض فيه ثم وصفه تعالى بصفة رابعة بقوله: ﴿أينما يوجهه﴾ أي: يرسله ويصرفه ذلك المولى ﴿لا يأت بخير﴾ لأنه عاجز لا يحسن و لا يفهم، قيل: هذا مثل شركائهم الذين هم عيال ووبال على عبدتهم ووبخهم الله تعالى بقوله: ﴿هل يستوي هو﴾ أي: هذا الموصوف بهذه الصفات الأربع ﴿ومن﴾ أي: ورجل آخر على ضد صفته فهو ناطق قادر عالم فطن قوي خبير مبارك ميمون ﴿يأمر﴾ أي: ورجل آخر بماله من العلم والقدرة ﴿بالعدل﴾ أي: يبذل النصيحة لغيره ﴿وهو﴾ في نفسه ظاهراً وباطناً ﴿على صراط﴾ أي: طريق واضح ﴿مستقيم﴾ أي: عامل فيه بما يأمر به، قيل: هذا مثال المعبود بالحق الذي يكفي عابديه جميع المؤن وهو دال على كمال علمه وتمام قدرته، وقيل: المراد من هذا الأبكم عبد لعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه كان ذلك العبد يكره الإسلام وما كان فيه خير ومولاه وهو عثمان يأمر بالعدل وكان على الدين القويم والصراط المستقيم، وقيل: المراد كل عبد موصوف بهذه الصفات المذمومة وكل حر موصوف بتلك الصفات الحميدة وهذا القول كما قال الرازي أولى من الأول لأن وصفه تعالى إياهما بكونهما رجلين يمنع من حمل ذلك على