ولا يمكن أن يكون المراد نفي ذاته لأنّ ذاته موجودة فوجب حمله على نفي آثاره، أي: لا أثر له ولا عبرة به. وقال عليه الصلاة والسلام: «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». وقال أيضاً: «لا طلاق في إغلاق»، أي: إكراه. وتمسك أبو حنيفة بقوله تعالى: ﴿فإن طلقها فلا تحلّ له﴾ (البقرة، ٢٣)
وهذا قد طلقها. وأجيب بأنّ الآية مخصوصة بغير ذلك جمعاً بين الأدلة. ﴿ولكن من شرح بالكفر صدراً﴾ أي: فتحه ووسعه لقبول الكفر واختاره ورضي به ﴿فعليهم غضب﴾ أي: غضب لم تبين جهة عظمه لكونه ﴿من الله﴾ أي: الملك الأعظم ﴿ولهم﴾ أي: بظواهرهم وبواطنهم ﴿عذاب عظيم﴾ في الآخرة لارتدادهم على أعقابهم.
﴿ذلك﴾ أي: الوعيد العظيم ﴿بأنهم﴾ أي: بسبب أنهم ﴿استحبوا﴾ أي: أحبوا حباً عظيماً ﴿الحياة الدنيا﴾ الكائنة الحاضرة الفانية فآثروها ﴿على الآخرة﴾ الباقية الفاخرة لأنهم رأوا ما فيه المؤمنون من الضيق والكافرون من السعة ﴿وأنّ الله﴾ أي: الذي له الغنى المطلق ﴿لا يهدي القوم الكافرين﴾ أي: لا يرشدهم إلى الإيمان ولا يوفقهم للعمل.
﴿أولئك﴾ أي: البعداء البغضاء ﴿الذين طبع الله﴾ أي: الملك الذي لا أمر لأحد معه ﴿على قلوبهم﴾ أي: ختم عليها واستوثق. ولما كان التفاوت في السمع نادراً وحده بقوله تعالى: ﴿وسمعهم﴾ أو بمعنى أسماعهم ليناسب قوله تعالى: ﴿وأبصارهم﴾ فصاروا بعدم انتفاعهم بهذه المشاعر كأنهم لا يفهمون ولا يسمعون ولا يبصرون ﴿وأولئك﴾ أي: الأباعد من كل خير ﴿هم الغافلون﴾ عما يراد بهم من العذاب في الآخرة.
(٤/١٢٦)


الصفحة التالية
Icon