(٤/١٤٠)
أمره بمتابعته فيه بقوله تعالى:﴿ادع﴾ أي: كل من تمكن دعوته ممن بعثت إليه ﴿إلى سبيل ربك﴾ أي: المحسن إليك بتسهيل السبيل الذي تدعو إليه واتساعه وهو الإسلام الذي هو الملة الحنيفية ﴿بالحكمة﴾ أي: المعاملة المحكمة وهو الدليل الواضح المزيل للشبهة ﴿والموعظة الحسنة﴾ أي: بالدعاء إلى الله تعالى بالترغيب والترهيب بالخطابات المتقنة والعبارات النافعة. والأولى لدعوى خواص الأمة الطالبين للحقائق والثانية لدعوى عوامهم ﴿وجادلهم﴾ أي: وجادل معانديهم ﴿بالتي﴾ أي: بالمجادلة التي ﴿هي أحسن﴾ كالدعاء إلى الله تعالى بآياته والدعاء إلى حججه بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير غلظ ولا تعسف فإن ذلك أنفع في تسكين لهبهم، وتبيين شبههم، وقيل: المراد بالحكمة القرآن، أي: ادعهم بالقرآن والموعظة الحسنة الرفق واللين في الدعوة، وفي الأمر بالمجادلة التي هي أحسن الإعراض عن أذاهم وعدم التقصير في تبليغ الرسالة والدعاء إلى الحق وعلى هذا القول قال بعض علماء التفسير: هذا منسوخ بآية السيف، وقيل: إنّ الناس خلقوا وجبلوا على ثلاثة أقسام: القسم الأوّل: العلماء الكاملون وهم أصحاب العلوم الصحيحة والبصائر الشافية الذين يطلبون معرفة الأشياء على حقائقها فهؤلاء هم المشار إليهم بقوله تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة﴾ أي: ادعهم بالدلائل القطعية اليقينية حتى يعلموا الأشياء بحقائقها وينفعوا الناس وهم خواص العلماء من الصحابة وغيرهم. القسم الثاني: أصحاب الفطرة السليمة والخلقة الأصلية وهم غالب الناس الذين لم يبلغوا حد الكمال ولم ينزلوا إلى حضيض النقصان فهم أوسط الأقسام وهم المشار إليهم بقوله تعالى: ﴿والموعظة الحسنة﴾ أي: ادع هؤلاء بالموعظة الحسنة. القسم الثالث: أصحاب جدال وخصام ومعاندة وهؤلاء هم المشار إليهم بقوله تعالى: ﴿وجادلهم بالتي أحسن﴾ أي: حتى ينقادوا إلى الحق ويرجعوا إليه.
(٤/١٤٢)


الصفحة التالية
Icon