(٤/١٧٤)
وقيل إلى الكلمة التي هي أعدل وهي شهادة أن لا إله إلا الله. تنبيه: لفظ افعل قد جاء بمعنى الفاعل كقولنا الله أكبر أي: الله الكبير وكقولنا الأشج والناقص أعدلا بني مروان، فأقوم يحتمل أن يكون كذلك وأن يبقى على ظاهره. الصفة الثانية قوله تعالى: ﴿ويبشر المؤمنين﴾ أي: الراسخين في هذا الوصف ولهذا قيدهم بياناً لهم بقوله: ﴿الذين﴾ أي: يصدّقون إيمانهم بأنهم ﴿يعملون﴾ أي: على سبيل التجديد والاستمرار والبناء على العلم ﴿الصالحات﴾ من التقوى والإحسان ﴿أنّ لهم أجراً كبيراً﴾ هو الجنة والنظر إلى وجه الله تعالى. وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وسكون الباء الموحدة وضم الشين مخففة والباقون بضم الياء وفتح الباء الموحدة وكسر الشين مشدّدة. فإن قيل: قال هنا ﴿أجراً كبيراً﴾ وفي الكهف ﴿أجراً حسناً﴾ (الكهف، ٢)
أجيب: بوقوع ذلك لموافقة الفواصل قبل وبعد في كل منهما. الصفة الثالثة قوله تعالى:
﴿وأنّ الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا﴾ أي: أحضرنا وهيأنا ﴿لهم عذاباً أليماً﴾ وهو النار في الآخرة وهو عطف على أنّ لهم أجراً كبيراً، والمعنى أنه تعالى بشر المؤمنين بنوعين من البشارة بثوابهم وبعقاب أعدائهم، نظيره قولك بشرت زيداً بأنه سيعطى وبأنّ عدوّه سيمنع. فإن قيل: كيف يليق لفظ البشارة بالعذاب؟ أجيب: بأنّ هذا مذكور على سبيل التهكم أو أنه من باب إطلاق أحد الضدّين على الآخر كقوله تعالى: ﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها﴾ (الشورى، ٤٠)
أو على يبشر بإضمار يخبر. فإن قيل: هذه الآية واردة في شرح أحوال اليهود وهم ما كانوا ينكرون الإيمان بالآخرة؟ أجيب: بأنّ أكثر اليهود ينكرون الثواب والعقاب الجسمانيين وبأنّ بعضهم قال: ﴿لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات﴾ (آل الأعراف، ٢٤)
فهم بذلك صاروا كالمنكرين للآخرة. ولما بين سبحانه وتعالى أنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، والإنسان قد يقدم على ما لا فائدة فيه بينه بقوله تعالى:
(٤/١٧٥)