(٤/١٩٦)
أن لا تعبدوا إلا إياه} ثم أردفه بشكر نعمة الوالدين وهو قوله تعالى: ﴿وبالوالدين إحساناً﴾. فإن قيل: الوالدان إنما طلبا تحصيل اللذة لأنفسهماً فلزم منه دخول الولد في الوجود ودخوله في عالم الآفات والمخالفات فأي: إنعام للأبوين على الولد، حتى أنّ بعض المتسمين بالحكمة كان يضرب أباه ويقول: هو الذي أدخلني في عالم الكون والفساد وعرضني للموت والفقر والعمى والزمانة وقيل لأبي العلاء المعري ماذا نكتب على قبرك فقال: اكتبوا على قبري: هذا جناية أبي علي وما جنيت على أحد. وقال في ترك التزوج والولد:
*وتركت فيهم نعمة العدم التي
... فيهم لقد سبقت نعيم العاجل
*ولو أنهم ولدوا لعانوا شدّة
... ترمي بهم في موبقات الآجل
وقيل لإسكندر: أستاذك أعظم منة عليك أم والدك؟ فقال: أستاذي أعظم منة لأنه تحمل أنواع الشدائد عند تعليمي فأوقعني في نور العلم، وأمّا الوالد فإن طلب تحصيل لذة الوقاع لنفسه فأخرجني إلى آفات عالم الكون والفساد. ومن الكلمات المأثورة المشهورة خير الآباء من علمك. أجيب: بأنه وإن كان في أوّل الأمر طلب لذة الوقاع إلا أنّ الاهتمام بإيصال الخيرات إليه ودفع الآفات عنه من أوّل دخوله في الوجود إلى وقت بلوغه الكبر أليس أنه أعظم من جميع ما يصل إليه من جهات الخيرات والمبرات فسقطت تلك الشبهات.
(٤/١٩٧)


الصفحة التالية
Icon