ولما كان سبحانه وتعالى عليماً بما في الطباع من ملال الولد لهما عند أخذهما في السنّ قال تعالى: ﴿إما﴾ مؤكداً بإدخال ما على إن الشرطية لزيادة التقرير للمعنى اهتماماً بشأن الوالدين ﴿يبلغن عندك الكبر﴾ أي: كأن يضطرا إليك في حالة الضعف والعجز فلا يكون لهما كافل غيرك فيصيرا عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أوّله ﴿أحدهما أو كلاهما﴾. وقرأ حمزة والكسائي بألف بعد الغين وكسر النون فالألف ضمير الوالدين لتقدّم ذكرهما وأحدهما بدل منه أو كلاهما عطف عليه فاعلاً أو بدلاً. فإن قيل: هلا كان كلاهما توكيداً لا بدلاً أجيب: بأنه معطوف على ما لا يصح أن يكون توكيد الاثنين فوجب أن يكون مثله. فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون أحدهما بدلاً وكلاهما توكيداً ويكون ذلك عطفاً للتوكيد على البدل؟ أجيب: بأنّ العطف يقتضي المشاركة فجعل أحدهما بدلاً والآخر توكيداً خلاف الأصل، وقرأ الباقون بغير ألف وفتح النون والإعراب على هذا ظاهر، وجميع القرّاء يشدّدون النون.
ثم أنه تعالى أمر الإنسان في حق والديه بخمسة أشياء: الأوّل منها قوله تعالى: ﴿فلا تقل لهما أفّ﴾ أي: لا تتضجر منهما قال الزجاج: أف معناه النتن وهذا قول مجاهد لأنه قال معنى قوله ﴿فلا تقل لهما أف﴾ أي: لا تتقذرهما كما أنهما كانا لا يتقذران منك حين كنت تخرأ وتبول.
(٤/١٩٩)