الثالث: أنّ قرابة الولادة قرابة الجزئية والبعضية وهي من أعظم الموجبات للمحبة فلو لم تحصل المحبة دل ذلك على غلظ شديد في الروح وقسوة في القلب، وذلك من أعظم الأخلاق الذميمة فرغب الله تعالى في الإحسان إلى الأولاد إزالة لهذه الخصلة الذميمة وعبر تعالى بالأولاد ليشمل الإناث، فإنّ العرب كانوا يقتلون البنات لعجز البنات عن الكسب وقدرة البنين عليه بسبب إقدامهم على النهب والغارة عليهم وأيضاً كانوا يخافون أنهنّ بعد كبرهنّ تفقد أكفاؤهنّ فيحتاجون إلى إنكاحهنّ من غير أكفاء وفي ذلك عار شديد فنهاهم الله تعالى عن ذلك فإنّ الموجب للرحمة والشفقة هو كونه ولداً وهذا المعنى وصف مشترك بين الذكور والإناث وأما ما يخاف من الفقر في البنات فقد يخاف مثله في الذكور في حال الصغر وقد يخاف أيضاً في العاجزين من البنين، وكما أنه سبحانه وتعالى يفتح أبواب الرزق على الذكور فكذلك على الإناث. ولما كان في قتل الأولاد حظ من البخل وفي فعل الزنا داع من الإسراف أتبعه به فقال تعالى:
(٤/٢١١)
﴿ولا تقربوا الزنا﴾ أدنى قرب ولو بفعل شيء من مقدماته وإنما أتى تعالى بالقربان تعظيماً له لما فيه من المفاسد الجارّة إلى الفتن بالقتل وتضييع النسب والتسبب في إيجاد نفس بالباطل وغير ذلك ثم علل تعالى النهي عن ذلك بقوله تعالى مؤكداً إبلاغاً في التنفير عنه لما للنفس من شدّة الداعية إليه. ﴿إنه كان فاحشة﴾ أي: فعله ظاهرة القبح زائدته وقد نهاكم الله تعالى عن الفحشاء في قوله تعالى: ﴿إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء﴾ (النحل، ٩٠)
الآية. ﴿وساء﴾ أي: وبئس الزنا ﴿سبيلاً﴾ أي: طريقاً طريقه ثم نهى سبحانه وتعالى عن القتل مطلقاً عن التقييد بالأولاد بغير حق بقوله تعالى:
(٤/٢١٢)