ثم قال تعالى: ﴿ومن قتل مظلوماً﴾ أي: بأي: ظلم كان من غير أن يرتكب ما يبيح قتله ﴿فقد جعلنا لوليه﴾ أي: سواء كان قريباً أم بعيداً ﴿سلطاناً﴾ أي: أمراً متسلطاً به. وقوله تعالى: ﴿فلا يسرف في القتل﴾ قرأ حمزة والكسائيّ بالتاء على الخطاب أي: أيها الوليّ والباقون بالياء على الغيبة أي: الوليّ وفسر الإسراف بوجوه الأول: أن يقتل القاتل وغير القاتل وذلك أنّ أولياء المقتول كانوا إذا قتل واحد من قبيلة شريفة قتلوا خلقاً من القبيلة الدنيئة فنهى الله تعالى عنه وحكم بقتل القاتل وحده. الثاني: أنّ الإسراف هو أن لا يرضى بقتل القاتل فإنّ الجاهلية كانوا يقصدون أشرف القبائل ثم يقتلون منهم قوماً معينين ويتركون القاتل. الثالث: أنّ الإسراف هو أن لا يكتفي بقتل القاتل بل يقتله ثم يمثل به ويقطع أعضاءه، قال القفال: ولا يبعد حمله على الكل لأنّ حمله على هذه المعاني مشترك في كونها إسرافاً. واختلف في رجوع الهاء إلى ماذا في قوله تعالى: ﴿إنه كان منصوراً﴾ فقال مجاهد: راجعة إلى المقتول في قوله تعالى: ﴿ومن قتل مظلوماً﴾ أي: أنّ المقتول منصور في الدنيا بإيجاب القود على قاتله، وفي الآخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله. وقال قتادة: راجعة لوليّ المقتول، أي: أنه منصور على القاتل باستيفاء القصاص أو الدية فليكتف بهذا القدر ولا يطمع في الزيادة، وقيل راجعة إلى القاتل الظالم أي: أن القاتل يكتفي منه باستيفاء القصاص ولا يطلب منه زيادة لأنه منصور من عند الله تعالى في تحريم طلب الزيادة منه أو أنه إذا عوقب في الدنيا بأزيد مما فعل نصر في الآخرة. وقيل راجعة إلى الدم وقيل إلى الحق.
(٤/٢١٤)