﴿قال﴾ أي: اللّه تعالى كما قال الأكثرون لأن زكريا إنما كان يخاطب اللّه ويسأله بقوله: رب إني وهن العظم مني أو الملك المبلغ للبشارة تصديقاً له لقوله تعالى: ﴿فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب إن اللّه يبشرك بيحيى﴾ (آل عمران، ٣٩)
وأيضاً فإنه لما قال: وقد بلغت من الكبر عتياً قال: ﴿كذلك﴾ أي: الأمر كذلك فهو خبر مبتدأ محذوف ثم علله بقوله: ﴿قال ربك﴾ أي: الذي عوّدك بالإحسان فدل ذلك على أنه كلام الملك، قال ابن عادل: ويمكن أن يجاب بأنه يحتمل أن يحصل النداآن نداء اللّه تعالى ونداء الملك، ثم ذكر مقول القول فقال: ﴿هو﴾ أي: خلق يحيى منكما على هذه الحالة ﴿عليّ﴾ أي: خاصة ﴿هين﴾ أي: بأن أردّ عليك قوّة الجماع وأفتق رحم امرأتك للعلوق ﴿وقد خلقتك﴾ أي: قدّرتك وصوّرتك وأوجدتك ﴿من قبل ولم﴾ أي: والحال أنك لم ﴿تك شيئاً﴾ بل كنت معدوماً صرفاً وفيه دليل على أنّ المعدوم ليس بشيء ولإظهار اللّه تعالى هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بما يدل عليها، وقرأ حمزة والكسائي بعد القاف بنون بعدها ألف والباقون بعد القاف بتاء مضمومة. ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به
﴿قال رب اجعل لي﴾ على ذلك ﴿آية﴾ أي: علامة تدلني على وقوعه ﴿قال آيتك﴾ على وقوع ذلك ﴿أن لا تكلم الناس﴾ أي: لا تقدر على كلامهم بخلاف ذكر اللّه تعالى ﴿ثلاث ليال﴾ أي: بأيامها كما في آل عمران ثلاثة أيام حال كونك ﴿سوياً﴾ من غير خرس ولا مرض وجعلت الآية الدالة عليه سكوت ثلاثة أيام ولياليهن من غير ذكر اللّه دلالة على اخلاصه وانقطاعه بكليته إلى اللّه تعالى دون غيره
(٥/١٥٦)