﴿فاتخذت﴾ أي: أخذت بقصد وتكلف ودل على قرب المكان بالإتيان بالجارّ فقال: ﴿من دونهم﴾ أي: أدنى مكان من مكانهم ﴿حجاباً﴾ أي: أرسلت ستراً تستتر به لغرض صحيح وليس بمذكور، واختلف المفسرون فيه على وجوه:
أحدها: أنها طلبت الخلوة كيلا تشتغل عن العبادة.
ثانيها: أنها عطشت فخرجت إلى المفازة تستقي.
ثالثها: أنها كانت في منزل زوج أختها زكريا وفيه محراب على حدة تسكنه، وكان زكريا إذا خرج أغلق عليها الباب فتمنت أن تجد خلوة في الجبل لتفلي رأسها وثوبها فانفجرت لها الشمس فخرجت فجلست في المشرفة وراء الجبل فأتاها الملك كما قال تعالى: ﴿فأرسلنا﴾ لأمر يدل على عظمتنا ﴿إليها روحنا﴾ أي: جبريل عليه السلام ليعلمها بما يريد بها من الكرامة بولادة عيسى عليه السلام من غير أب لئلا يشتبه عليها الأمر فتقتل نفسها غماً ﴿فتمثل لها﴾ أي: تشبح بشين معجمة ثم باء موحدة ثم حاء مهملة وهو روحاني بصورة الجسماني ﴿بشراً سوياً﴾ في خلقه حسن الشكل.
(٥/١٦١)
رابعها: أنها قعدت في مشرفة للاغتسال من الحيض متحجبة بشيء يسترها، وكانت تتحول من المسجد إلى بيت خالتها إذا حاضت وتعود إليه إذا طهرت فبينما هي في مغتسلها أتاها جبريل بعد لبسها ثيابها متمثلاً بصورة شاب أمرد سوي الخلق تستأنس بكلامه إذ لو أتاها في الصورة الملكية لنفرت منه ولم تقدر على استماع كلامه، قال البيضاوي: ولعله لتهيج شهوتها فتنحدر نطفتها إلى رحمها أي: مع أمنها الفتنة لعفتها، قال الرازي: وكل هذه الوجوه محتملة وليس في اللفظ ما يدل على ترجيح واحد منها.
ولما رأت مريم جبريل نحوها


الصفحة التالية
Icon