فكذا ههنا، وقال بعضهم: النافخ جبريل لأن الظاهر من قول جبريل عليه السلام :﴿لأهب لك﴾ على أحد القراءتين أنه النافخ، واختلف في كيفية نفخه فقيل: إن جبريل عليه السلام رفع درعها فنفخ في جيبها فحملت حين لبسته، وقيل: مدّ إلى جيب درعها أصابعه ونفخ في الجيب، وقيل: نفخ في كمّ قميصها، وقيل: في فيها، وقيل: نفخ جبريل نفخاً من بعيد فوصل النفخ إليها فحملت بعيسى في الحال، وقيل: نفخ في ذيلها فدخلت النفخة في صدرها فحملت فجاءت أختها امرأة زكريا تزورها فلما التزمتها عرفت أنها حبلى وذكرت مريم حالها فقالت امرأة زكريا: إني وجدت ما في بطني يسجد لما في بطنك فذلك قوله تعالى: ﴿مصدقاً بكلمة من اللّه﴾ (آل عمران، ٣٩)
وقيل: حملت وهي بنت ثلاث عشرة سنة، وقيل: بنت عشرين وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل، قال الرازي: وليس في القرآن ما يدل على شيء من هذه الأقوال المذكورة. ثم عقب بالحمل قوله: ﴿فانتبذت به﴾ أي: فاعتزلت به وهو في بطنها حالة ﴿مكاناً قصياً﴾ أي: بعيداً من أهلها أو من المكان الشرقي، وأشار إلى قرب الولادة من الحمل بفاء التعقيب في قوله:
﴿فأجاءها﴾ أي: فأتى بها وألجأها ﴿المخاض﴾ وهو تحرك الولد في بطنها للولادة ﴿إلى جذع النخلة﴾ وهو ما برز منها من الأرض ولم يبلغ الأغصان وكأنّ تعريفها لأنه لم يكن في تلك البلاد الباردة غيرها فكانت كالعلم لما فيها من العجب لأن النخل من أقل الأشجار صبراً على البرد ولعلها ألجئت إليها دون غيرها من الأشجار على كثرتها لمناسبة حال النخلة لها لأنها لا تحمل إلا باللقاح من ذكر النخل فحملها بمجرّد هزها أنسب شيء بإتيانها بولد من غير والد فكيف إذا كان ذلك في غير وقته، وكانت يابسة مع مالها فيها من المنافع بالاستناد إليها والاعتماد عليها وكون رطبها خرسة للنفساء وغاية في نفعها وغير ذلك والخرسة بخاء معجمة مضمومة طعام النفساء وهو مراد الجوهري بقوله: طعام الولادة.
(٥/١٦٥)


الصفحة التالية
Icon