فإن قيل: هذا القول يتوقف على إثبات أمور؛ أحدها: إثبات الصانع، وثانيها: إثبات الشيطان، وثالثها: أنّ الشيطان عاص، ورابعها: أنه لما كان عاصياً لم تجز طاعته، وخامسها: أن الاعتقاد الذي كان عليه آزر مستفاد من طاعة الشيطان ومن شأن الدلالة التي تورد على الشخص أن تكون مركبة من مقدّمات معلومة ليسلمها الخصم ولعلّ إبراهيم كان منازعاً في هذه المقدّمات وكيف والمحكي عنه أنه ما كان يثبت إلهاً سوى نمروذ فكيف يسلم وجود الرحمن وإذا لم يسلم وجوده فكيف يسلم أنّ الشيطان عاص للرحمن وبتقدير تسليم ذلك فكيف يسلم الخصم بمجرّد هذا الكلام أنّ مذهبه مقتبس من الشيطان بل لعله يغلب ذلك على خصمه؟ وأجيب: بأنّ الحجة المعوّل عليها في إبطال مذهب آزر هو قوله: ﴿لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئاً﴾ وهذا الكلام جرى مجرى التخويف والتحذير الذي يحمله على النظر في تلك الدلالة فيسقط السؤال. النوع الرابع قوله:
(٥/١٨٦)
﴿يا أبت إني أخاف﴾ لمحبتي لك وعزتي عليك ﴿أن يمسك عذاب﴾ أي: كائن ﴿من الرحمن﴾ الذي هو مولى كل من تولاه لعصيانك إياه ﴿فتكون﴾ أي: فتسبب عن ذلك أن تكون ﴿للشيطان ولياً﴾ أي: ناصراً وقريناً في النار ولما دعا إبراهيم عليه السلام أباه إلى التوحيد وذكر الدلائل على فساد عبادة الأوثان وأردف تلك الدلائل بالوعظ البليغ وأورد كل ذلك مقروناً بالرفق واللطف قابله أبوه بجواب يضاد ذلك فقابل حجته بالتقليد فإنه لم يذكر في مقابلة حجته إلا أن
(٥/١٨٧)