﴿ثم ننجي الذين اتقوا﴾ أي: الكفر منها ولا يجوز أن يقول ثم ننجي الذين اتقوا ﴿ونذر الظالمين﴾ بالكفر ﴿فيها جثياً﴾ على الركب ألا والكل واردون والأخبار المروية دالة على هذا القول روي أنّ عبد الله بن رواحة قال أخبر الله تعالى عن الورود ولم يخبر بالصدر فقال ﷺ «يا ابن رواحة اقرأ ما بعدها ثم ننجي الذين اتقوا» فدلّ على أنّ ابن رواحة فهم من الورود الدخول ولم ينكر عليه النبيّ ﷺ ذلك وعن جابر أنه سأل عن هذه الآية فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الورود الدخول ولا يبقى برّ ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً حتى أنّ للنار ضجيجاً من بردها» ولأنّ حرارة النار ليست بطبعها فالأجزاء الملاصقة لأبدان الكفار يجعلها الله تعالى محرقة مؤذية والأجزاء الملاصقة لأجزاء المؤمنين يجعلها برداً وسلاماً كما في حق إبراهيم عليه السلام وكما أنّ الملائكة الموكلين بها لا يجدون ألمها وكما في الكوز الواحد من الماء كان يشربه القبطي فيكون دماً ويشربه الإسرائيلي فيكون ماء عذباً.
وعن جابر بن عبد الله أنه سأل رسول الله ﷺ عنه فقال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة وقال بعضهم لبعض أليس وعدنا ربنا أن نرد النار فيقال لهم قد وردتموها وهي خامدة» وخامدة بخاء معجمة أي: ساكنة وروي بالجيم أي: باردة ولا بدّ من ذلك في الملائكة الموكلين بالعذاب حتى يكونوا في النار مع المعاقبين.
فإن قيل: فإذا لم يكن على المؤمنين عذاب في دخولهم فما الفائدة في ذلك الدخول؟ أجيب بوجوه؛ أحدها: أنّ ذلك مما يزيدهم سروراً إذا علموا الخلاص منها.
ثانيها: أنّ فيه مزيد غم على أهل النار حيث يرون المؤمنين الذين هم أعداؤهم يتخلصون منها وهم يبقون فيها.
ثالثها: أنّ فيه مزيد غم على أهل النار حيث تظهر فضيحتهم عند المؤمنين.
(٥/٢١٠)


الصفحة التالية
Icon