﴿إذ رأى﴾ يجوز أن يكون منصوباً بالحديث وهو الظاهر ويجوز أن ينصب باذكر مقدراً أي: واذكر إذ رأى ﴿ناراً﴾ وذلك أنّ موسى عليه السلام استأذن شعيباً عليه السلام في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخيه فأذن له فخرج بأهله وماله وكانت أيام شتاء وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام وامرأته حامل في شهرها لا تدري ليلاً تضع أو نهاراً فسار في البرية غير عارف بطرقها فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد.
قيل: كانت ليلة جمعة وأخذت امرأته في الطلق وتفرقت ماشيته ولا ماء عنده وجعل يقدح زنده فلا يوري فأبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور ﴿فقال لأهله امكثوا﴾ أي: أقيموا في مكانكم والخطاب لامرأته وولدها والخادم ويجوز أن يكون للمرأة وحدها خرج على ظاهر لفظ الأهل فإنّ الأهل يقع على الجمع وأيضاً قد يخاطب الواحد بلفظ الجمع تفخيماً وقرأ حمزة بضم الهاء في الوصل والباقون بالكسر ﴿إني آنست﴾ أي: أبصرت ﴿ناراً﴾ والإيناس الإبصار البين الذي لا شبهة فيه ومنه إنسان العين لأنه يتبين به الشيء والإنس لظهورهم كما قيل الجنّ لاستتارهم.
وقيل: إبصار ما يؤنس به ولما وجد منه الإيناس وكان متيقناً حققه لهم بكلمة إني ليوطن أنفسهم. ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين بنى الأمر فيهما على الرجاء والطمع فقال: ﴿لعلي آتيكم منها بقبس﴾ أي: شعلة في رأس فتيلة أو عود أو نحو ذلك وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء في إني ولعلي الآتية والباقون بالسكون إلا ابن عامر ففتح لعلى مع من ذكروهم على مراتبهم في المدّ ﴿أو أجد على النار هدى﴾ أي: هادياً يدلني على الطريق ومعنى الاستعلاء في على النار أنّ أهل النار يستعلون المكان القريب منها كما قال سيبويه في مررت بزيد إنه لصوق بمكان يقرب من زيد أو لأنّ المصطلين بها إذا أحاطوا بها كانوا مشرفين عليها.
(٥/٢٣٥)


الصفحة التالية
Icon