وقالوا ما الإنسان لولا اللسان إلا بهيمة مرسلة أي: لو ذهب النطق اللساني لم يبق من الإنسان إلا القدر الحاصل في البهائم، وقالوا: المرء بأصغريه قلبه ولسانه، وقالوا المرء مخبوء تحت لسانه. ثالثها: أنّ في مناظرة آدم عليه السلام مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق حيث قال: ﴿يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض﴾ (البقرة: ٣٣)
ولما رأى موسى عليه السلام أنّ التعاون على الدين والتظاهر عليه مع مخالصة الودّ وزوال التهمة قربة عظيمة في الدعاء إلى الله تعالى طلب المعاونة على ذلك بقوله:
﴿واجعل لي وزيراً﴾ أي: معيناً على الرسالة ولذلك قال عيسى بن مريم عليه السلام :﴿من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله﴾ (آل عمران، ٥٢)
وقال محمد ﷺ «إنّ لي في السماء وزيرين وفي الأرض وزيرين فاللذان في السماء جبريل وميكائيل واللذان في الأرض أبو بكر وعمر» وقال ﷺ «إذا أراد الله تعالى بملك خيراً قيض له وزيراً صالحاً إن نسي ذكره وإن نوى خيراً أعانه وإن أراد شرّاً كفه» وقال أنوشروان: لا يستغني أجود السيوف عن الصقل ولا أكرم الدواب عن السوط ولا أعلم الملوك عن الوزير. ولما كان التعاون على الدين منقبة عظيمة أراد أن لا تحصل هذه الدرجة إلا لأهله فقال: ﴿من أهلي﴾ أي: أقاربي وقوله:
﴿هارون﴾ قال الجلال المحلي: مفعول ثان وقوله: ﴿أخي﴾ عطف بيان وذكر غيره أعاريب غير ذلك لا حاجة لنا بذكرها.
تنبيه: الوزير مشتق من الوزر لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنه، أو من الوزر لأنّ الملك يعتصم برأيه ويلجئ إليه أموره، أو من الموازرة وهي المعاونة. قال الرازي: وكان هارون مخصوصاً بأمور منها الفصاحة لقول موسى: ﴿هو أفصح مني لساناً﴾ (القصص، ٣٤)
ومنها الرفق لقول هارون: ﴿يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي﴾ (طه، ٩٤)
(٥/٢٥٣)


الصفحة التالية
Icon